(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون )
قوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64ياأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ) .
اعلم أنه تعالى لما وعده بالنصر عند مخادعة الأعداء ، وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقا على
[ ص: 153 ] جميع التقديرات ، وعلى هذا الوجه لا يلزم حصول التكرار ؛ لأن المعنى في الآية الأولى : إن أرادوا خداعك كفاك الله أمرهم ، والمعنى في هذه الآية عام في كل ما يحتاج إليه في الدين والدنيا وهذه الآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال ، والمراد بقوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64ومن اتبعك من المؤمنين )
الأنصار وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، نزلت في إسلام
عمر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012748أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، ثم أسلم عمر ، فنزلت هذه الآية ، قال المفسرون : فعلى هذا القول هذه الآية مكية ، كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الآية قولان :
الأول : التقدير : الله كافيك وكافي أتباعك من المؤمنين ، قال
الفراء : الكاف في "حسبك" خفض " ومن " في موضع نصب والمعنى : يكفيك الله ويكفي من اتبعك ، قال الشاعر :
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند
قال : وليس بكثير من كلامهم أن يقولوا : حسبك وأخاك ، بل المعتاد أن يقال حسبك وحسب أخيك .
والثاني : أن يكون المعنى كفاك الله وكفاك أتباعك من المؤمنين . قال
الفراء : وهذا أحسن الوجهين ، أي ويمكن أن ينصر القول الأول بأن من كان الله ناصره امتنع أن يزداد حاله أو ينقص بسبب نصرة غير الله ، وأيضا إسناد الحكم إلى المجموع يوهم أن الواحد من ذلك المجموع لا يكفي في حصول ذلك المهم ، وتعالى الله عنه ويمكن أن يجاب عنه بأن الكل من الله ، إلا أن من أنواع النصرة ما لا يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة ، ومنها ما يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة ، فلهذا الفرق اعتبر نصرة المؤمنين ، ثم بين أنه تعالى وإن كان يكفيك بنصره وبنصر المؤمنين ، فليس من الواجب أن تتكل على ذلك إلا بشرط أن تحرض المؤمنين على القتال فإنه تعالى إنما يكفيك بالكفاية بشرط أن يحصل منهم بذل النفس والمال في المجاهدة . فقال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28979_27470ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال ) والتحريض في اللغة كالتحضيض وهو الحث على الشيء ، وذكر
الزجاج في اشتقاقه وجها آخر بعيدا ، فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_27470التحريض في اللغة أن يحث الإنسان غيره على شيء حثا يعلم منه أنه إن تخلف عنه كان حارضا ، والحارض الذي قارب الهلاك ، أشار بهذا إلى أن المؤمنين لو تخلفوا عن القتال بعد حث النبي صلى الله عليه وسلم ، كانوا حارضين ، أي هالكين . فعنده التحريض مشتق من لفظ الحارض والحرض .
ثم قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=27470_28979إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) وليس المراد منه الخبر بل المراد الأمر كأنه قال :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إن يكن منكم عشرون ) فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى يغلبوا مائتين والذي يدل على أنه ليس المراد من هذا الكلام الخبر وجوه :
الأول : لو كان المراد منه الخبر ، لزم أن يقال : إنه لم يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين ، ومعلوم أنه باطل .
الثاني : أنه قال(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66الآن خفف الله عنكم ) [الأنفال : 66] والنسخ أليق بالأمر منه بالخبر .
الثالث : قوله من بعد :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66والله مع الصابرين ) [الأنفال : 66] وذلك ترغيبا في
nindex.php?page=treesubj&link=7990الثبات على الجهاد ، فثبت أن المراد من هذا الكلام هو الأمر وإن كان واردا بلفظ الخبر ، وهو كقوله تعالى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ) [البقرة : 233](
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن بأنفسهن ) [البقرة : 228] ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا ) حاصله وجوب ثبات الواحد في مقابلة العشرة ، فما الفائدة في العدول عن هذه اللفظة
[ ص: 154 ] الوجيزة إلى تلك الكلمات الطويلة ؟
وجوابه : أن هذا الكلام إنما ورد على وفق الواقعة ، وكان رسول الله يبعث السرايا ، والغالب أن تلك السرايا ما كان ينتقص عددها عن العشرين وما كانت تزيد على المائة ، فلهذا المعنى ذكر الله هذين العددين .
المسألة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28920_28929قرأ نافع وابن كثير وابن عامر " إن تكن " بالتاء ، وكذلك الذي بعده " وإن تكن منكم مائة صابرة " وقرأ
أبو عمرو الأول بالياء والثاني بالتاء والباقون بالياء فيهما .
المسألة الثالثة : أنه تعالى بين العلة في هذه الغلبة ، وهو قوله :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65بأنهم قوم لا يفقهون ) وتقرير هذا الكلام من وجوه :
الوجه الأول : أن من لا يؤمن بالله ولا يؤمن بالمعاد ، فإن غاية السعادة والبهجة عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيوية ، ومن كان هذا معتقده فإنه يشح بهذه الحياة ، ولا يعرضها للزوال ، أما من اعتقد أنه لا سعادة في هذه الحياة وأن السعادة لا تحصل إلا في الدار الآخرة فإنه لا يبالي بهذه الحياة الدنيا ، ولا يلتفت إليها ولا يقيم لها وزنا ، فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح ، ومتى كان الأمر كذلك ، كان الواحد من هذا الباب يقاوم العدد الكثير من الباب الأول .
الوجه الثاني : أن الكفار إنما يعولون على قوتهم وشوكتهم ، والمسلمون يستعينون بربهم بالدعاء والتضرع ، ومن كان كذلك كان النصر والظفر به أليق وأولى .
الوجه الثالث : وهو وجه لا يعرفه إلا أصحاب الرياضات والمكاشفات ، وهو أن كل قلب اختص بالعلم والمعرفة كان صاحبه مهيبا عند الخلق ، ولذلك إذا حضر الرجل العالم عند عالم من الناس الأقوياء الجهال الأشداء ، فإن أولئك الأقوياء الأشداء الجهال يهابون ذلك العالم ويحترمونه ويخدمونه ، بل نقول : إن السباع القوية إذا رأت الآدمي هابته وانحرفت عنه ، وما ذاك إلا أن الآدمي بسبب ما فيه من نور العقل يكون مهيبا ، وأيضا الرجل الحكيم إذا استولى على قلبه نور معرفة الله تعالى ، فإنه تقوى أعضاؤه وتشتد جوارحه ، وربما قوي عند ظهور التجلي في قلبه على أعمال يعجز عنها قبل ذلك الوقت .
إذا عرفت هذا فالمؤمن إذا أقدم على الجهاد فكأنه بذل نفسه وماله في طلب رضوان الله ، فكان في هذه الحالة كالمشاهد لنور جلال الله فيقوى قلبه وتكمل روحه ويقدر على ما لا يقدر غيره عليه ، فهذه أحوال من باب المكاشفات تدل على أن المؤمن يجب أن يكون أقوى قوة من الكافر ، فإن لم يحصل فذاك لأن ظهور هذا التجلي لا يحصل إلا نادرا وللفرد بعد الفرد ، والله أعلم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَعَدَهُ بِالنَّصْرِ عِنْدَ مُخَادَعَةِ الْأَعْدَاءِ ، وَعَدَهُ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُطْلَقًا عَلَى
[ ص: 153 ] جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَلْزَمُ حُصُولُ التَّكْرَارِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ الْأُولَى : إِنْ أَرَادُوا خِدَاعَكَ كَفَاكَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ ، وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِالْبَيْدَاءِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ قَبْلَ الْقِتَالِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=64وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )
الْأَنْصَارُ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، نَزَلَتْ فِي إِسْلَامِ
عُمَرَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012748أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا وَسِتُّ نِسْوَةٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ ، كُتِبَتْ فِي سُورَةٍ مَدَنِيَّةٍ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : التَّقْدِيرُ : اللَّهُ كَافِيكَ وَكَافِي أَتْبَاعِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْكَافُ فِي "حَسْبُكَ" خَفْضٌ " وَمَنْ " فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ وَالْمَعْنَى : يَكْفِيكَ اللَّهُ وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعَكَ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
إِذَا كَانَتِ الْهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ الْعَصَا فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
قَالَ : وَلَيْسَ بِكَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنْ يَقُولُوا : حَسْبُكَ وَأَخَاكَ ، بَلِ الْمُعْتَادُ أَنْ يُقَالَ حَسْبُكَ وَحَسْبُ أَخِيكَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى كَفَاكَ اللَّهُ وَكَفَاكَ أَتْبَاعُكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : وَهَذَا أَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ ، أَيْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُنْصَرَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَنْ كَانَ اللَّهُ نَاصِرَهُ امْتَنَعَ أَنْ يَزْدَادَ حَالُهُ أَوْ يَنْقُصَ بِسَبَبِ نُصْرَةِ غَيْرِ اللَّهِ ، وَأَيْضًا إِسْنَادُ الْحُكْمِ إِلَى الْمَجْمُوعِ يُوهِمُ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ لَا يَكْفِي فِي حُصُولِ ذَلِكَ الْمُهِمِّ ، وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكُلَّ مِنَ اللَّهِ ، إِلَّا أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ النُّصْرَةِ مَا لَا يَحْصُلُ بِنَاءً عَلَى الْأَسْبَابِ الْمَأْلُوفَةِ الْمُعْتَادَةِ ، وَمِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِنَاءً عَلَى الْأَسْبَابِ الْمَأْلُوفَةِ الْمُعْتَادَةِ ، فَلِهَذَا الْفَرْقِ اعْتَبَرَ نُصْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ يَكْفِيكَ بِنَصْرِهِ وَبِنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَيْسَ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ تَتَّكِلَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ تُحَرِّضَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ فَإِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَكْفِيكَ بِالْكِفَايَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ بَذْلُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فِي الْمُجَاهَدَةِ . فَقَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28979_27470يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) وَالتَّحْرِيضُ فِي اللُّغَةِ كَالتَّحْضِيضِ وَهُوَ الْحَثُّ عَلَى الشَّيْءِ ، وَذَكَرَ
الزَّجَّاجُ فِي اشْتِقَاقِهِ وَجْهًا آخَرَ بَعِيدًا ، فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=34077_27470التَّحْرِيضُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَحُثَّ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ حَثًّا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ كَانَ حَارِضًا ، وَالْحَارِضُ الَّذِي قَارَبَ الْهَلَاكَ ، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ تَخَلَّفُوا عَنِ الْقِتَالِ بَعْدَ حَثِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانُوا حَارِضِينَ ، أَيْ هَالِكِينَ . فَعِنْدَهُ التَّحْرِيضُ مُشْتَقٌّ مِنْ لَفْظِ الْحَارِضِ وَالْحَرِضِ .
ثُمَّ قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=27470_28979إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْخَبَرَ بَلِ الْمُرَادُ الْأَمْرُ كَأَنَّهُ قَالَ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ ) فَلْيَصْبِرُوا وَلْيَجْتَهِدُوا فِي الْقِتَالِ حَتَّى يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ الْخَبَرَ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْخَبَرَ ، لَزِمَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ قَطُّ مِائَتَانِ مِنَ الْكُفَّارِ عِشْرِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ) [الْأَنْفَالِ : 66] وَالنَّسْخُ أَلْيَقُ بِالْأَمْرِ مِنْهُ بِالْخَبَرِ .
الثَّالِثُ : قَوْلُهُ مِنْ بَعْدُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الْأَنْفَالِ : 66] وَذَلِكَ تَرْغِيبًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=7990الثَّبَاتِ عَلَى الْجِهَادِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا بِلَفْظِ الْخَبَرِ ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) [الْبَقَرَةِ : 233](
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ) [الْبَقَرَةِ : 228] ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) حَاصِلُهُ وُجُوبُ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَشَرَةِ ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي الْعُدُولِ عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ
[ ص: 154 ] الْوَجِيزَةِ إِلَى تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الطَّوِيلَةِ ؟
وَجَوَابُهُ : أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إِنَّمَا وَرَدَ عَلَى وَفْقِ الْوَاقِعَةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَبْعَثُ السَّرَايَا ، وَالْغَالِبُ أَنَّ تِلْكَ السَّرَايَا مَا كَانَ يَنْتَقِصُ عَدَدُهَا عَنِ الْعِشْرِينَ وَمَا كَانَتْ تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ اللَّهُ هَذَيْنِ الْعَدَدَيْنِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28920_28929قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ " إِنْ تَكُنْ " بِالتَّاءِ ، وَكَذَلِكَ الَّذِي بَعْدَهُ " وَإِنْ تَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ " وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرِو الْأَوَّلَ بِالْيَاءِ وَالثَّانِيَ بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ فِيهِمَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي هَذِهِ الْغَلَبَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=65بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ : أَنَّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَلَا يُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ ، فَإِنَّ غَايَةَ السَّعَادَةِ وَالْبَهْجَةِ عِنْدَهُ لَيْسَتْ إِلَّا هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَوِيَّةَ ، وَمَنْ كَانَ هَذَا مُعْتَقَدَهُ فَإِنَّهُ يَشِحُّ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ ، وَلَا يُعَرِّضُهَا لِلزَّوَالِ ، أَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا سَعَادَةَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَأَنَّ السَّعَادَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا وَلَا يُقِيمُ لَهَا وَزْنًا ، فَيُقْدِمُ عَلَى الْجِهَادِ بِقَلْبٍ قَوِيٍّ وَعَزْمٍ صَحِيحٍ ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ هَذَا الْبَابِ يُقَاوِمُ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْكُفَّارَ إِنَّمَا يُعَوِّلُونَ عَلَى قُوَّتِهِمْ وَشَوْكَتِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُونَ يَسْتَعِينُونَ بِرَبِّهِمْ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ النَّصْرُ وَالظَّفَرُ بِهِ أَلْيَقَ وَأَوْلَى .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : وَهُوَ وَجْهٌ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا أَصْحَابُ الرِّيَاضَاتِ وَالْمُكَاشَفَاتِ ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ قَلْبٍ اخْتَصَّ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ كَانَ صَاحِبُهُ مَهِيبًا عِنْدَ الْخَلْقِ ، وَلِذَلِكَ إِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ الْعَالِمُ عِنْدَ عَالَمٍ مِنَ النَّاسِ الْأَقْوِيَاءِ الْجُهَّالِ الْأَشِدَّاءِ ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الْأَقْوِيَاءَ الْأَشِدَّاءَ الْجُهَّالَ يَهَابُونَ ذَلِكَ الْعَالِمَ وَيَحْتَرِمُونَهُ وَيَخْدِمُونَهُ ، بَلْ نَقُولُ : إِنَّ السِّبَاعَ الْقَوِيَّةَ إِذَا رَأَتِ الْآدَمِيَّ هَابَتْهُ وَانْحَرَفَتْ عَنْهُ ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ الْآدَمِيَّ بِسَبَبِ مَا فِيهِ مِنْ نُورِ الْعَقْلِ يَكُونُ مَهِيبًا ، وَأَيْضًا الرَّجُلُ الْحَكِيمُ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى قَلْبِهِ نُورُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ تَقْوَى أَعْضَاؤُهُ وَتَشْتَدُّ جَوَارِحُهُ ، وَرُبَّمَا قَوِيَ عِنْدَ ظُهُورِ التَّجَلِّي فِي قَلْبِهِ عَلَى أَعْمَالٍ يَعْجِزُ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى الْجِهَادِ فَكَأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فِي طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّهِ ، فَكَانَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمُشَاهِدِ لِنُورِ جَلَالِ اللَّهِ فَيَقْوَى قَلْبُهُ وَتَكْمُلُ رُوحُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ ، فَهَذِهِ أَحْوَالٌ مِنْ بَابِ الْمُكَاشَفَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى قُوَّةً مِنَ الْكَافِرِ ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَذَاكَ لِأَنَّ ظُهُورَ هَذَا التَّجَلِّي لَا يَحْصُلُ إِلَّا نَادِرًا وَلِلْفَرْدِ بَعْدَ الْفَرْدِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .