أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وسع ربنا كل شيء علما ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : في تعلق هذا الكلام بالكلام الأول وجوه : قال القاضي : قد نقلنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبي علي الجبائي أن قول
شعيب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89إلا أن يشاء الله ربنا ) معناه : إلا أن يخلق المصلحة في تلك العبادات فحينئذ يكلفنا بها ،
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28781والعالم بالمصالح ليس إلا من وسع علمه كل شيء ؛ فلذلك أتبعه بهذا القول . وقال أصحابنا : وجه تعلق هذا الكلام بما قبله ، هو أن القوم لما قالوا
لشعيب : إما أن تخرج من قريتنا وإما أن تعود إلى ملتنا ، فقال
شعيب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وسع ربي كل شيء علما ) فربما كان في علمه حصول قسم ثالث ، وهو أن نبقى في هذه القرية من غير أن نعود إلى ملتكم ، بل يجعلكم مقهورين تحت أمرنا ذليلين خاضعين تحت حكمنا ، وهذا الوجه أولى مما قاله القاضي ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89على الله توكلنا ) لائق بهذا الوجه ، لا بما قاله القاضي .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وسع ربنا كل شيء علما ) يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28781أنه تعالى كان عالما في الأزل بجميع الأشياء ؛ لأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وسع ) فعل ماض ، فيتناول كل ماض ، وإذا ثبت أنه كان في الأزل عالما بجميع
[ ص: 147 ] المعلومات ، وثبت أن
nindex.php?page=treesubj&link=28781تغير معلومات الله تعالى محال ، لزم أنه ثبتت الأحكام وجفت الأقلام ، والسعيد من سعد في علم الله ، والشقي من شقي في علم الله .
المسألة الثالثة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وسع ربنا كل شيء علما ) يدل على أنه علم الماضي والحال والمستقبل ، وعلم المعدوم أنه لو كان كيف كان يكون ، فهذه أقسام أربعة ، ثم كل واحد من هذه الأقسام الأربعة يقع على أربعة أوجه : أما الماضي : فإنه علم أنه لما كان ماضيا فإنه كيف كان ، وعلم أنه لو لم يكن ماضيا بل كان حاضرا فإنه كيف يكون ، وعلم أنه لو كان مستقبلا كيف يكون ، وعلم أنه لو كان عدما محضا كيف يكون ، فهذه أقسام أربعة بحسب الماضي ، واعتبر هذه الأقسام الأربعة بحسب الحال ، وبحسب المستقبل ، وبحسب المعدوم المحض فيكون المجموع ستة عشر ، ثم اعتبر هذه الأقسام الستة عشر بحسب كل واحد من الذوات والألوان والطعوم والروائح ، وكذا القول في سائر المفردات من أنواع الأعراض وأجناسها ، فحينئذ يلوح لعقلك من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وسع ربنا كل شيء علما ) بحر لا ينتهي مجموع عقول العقلاء إلى أول خطوة من خطوات ساحله .
المسألة الرابعة : قال
الواحدي : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وسع ربنا كل شيء علما ) منصوب على التمييز .
واعلم أنه عليه الصلاة والسلام ختم كلامه بأمرين :
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=19650_19651بالتوكل على الله ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89على الله توكلنا ) فهذا يفيد الحصر ، أي عليه توكلنا لا على غيره ، وكأنه في هذا المقام عزل الأسباب ، وارتقى عنها إلى مسبب الأسباب .
والثاني : الدعاء ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس والحسن وقتادة ،
والسدي : احكم واقض . وقال
الفراء :
أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح ؛ لأنه يفتح مواضع الحق ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ما كنت أدري قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) حتى سمعت
ابنة ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك ، أي أحاكمك . قال
الزجاج : وجائز أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) أي أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبين قومنا وينكشف ، والمراد منه : أن ينزل عليهم عذابا يدل على كونهم مبطلين ، وعلى كون
شعيب وقومه محقين ، وعلى هذا الوجه يراد به الكشف والتبيين .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وأنت خير الفاتحين ) والمراد منه الثناء على الله . واحتج أصحابنا بهذا اللفظ على أنه هو الذي يخلق الإيمان في العبد ؛ وذلك لأن الإيمان أشرف المحدثات ، ولو فسرنا الفتح بالكشف والتبيين فلا شك أن الإيمان كذلك .
إذا ثبت هذا فنقول : لو كان الموجد للإيمان هو العبد لكان خير الفاتحين هو العبد ، وذلك ينفي كونه تعالى خير الفاتحين .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَعَلُّقِ هَذَا الْكَلَامِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وُجُوهٌ : قَالَ الْقَاضِي : قَدْ نَقَلْنَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13980أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ أَنَّ قَوْلَ
شُعَيْبٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ) مَعْنَاهُ : إِلَّا أَنْ يَخْلُقَ الْمَصْلَحَةَ فِي تِلْكَ الْعِبَادَاتِ فَحِينَئِذٍ يُكَلِّفُنَا بِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28781وَالْعَالِمُ بِالْمَصَالِحِ لَيْسَ إِلَّا مَنْ وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ ؛ فَلِذَلِكَ أَتْبَعَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ . وَقَالَ أَصْحَابُنَا : وَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ ، هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا قَالُوا
لِشُعَيْبٍ : إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ قَرْيَتِنَا وَإِمَّا أَنْ تَعُودَ إِلَى مِلَّتِنَا ، فَقَالَ
شُعَيْبٌ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=80وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) فَرُبَّمَا كَانَ فِي عِلْمِهِ حُصُولُ قِسْمٍ ثَالِثٍ ، وَهُوَ أَنَّ نَبْقَى فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعُودَ إِلَى مِلَّتِكُمْ ، بَلْ يَجْعَلُكُمْ مَقْهُورِينَ تَحْتَ أَمْرِنَا ذَلِيلِينَ خَاضِعِينَ تَحْتَ حُكْمِنَا ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) لَائِقٌ بِهَذَا الْوَجْهِ ، لَا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28783_28781أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا فِي الْأَزَلِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَسِعَ ) فِعْلٌ مَاضٍ ، فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَاضٍ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ عَالِمًا بِجَمِيعِ
[ ص: 147 ] الْمَعْلُومَاتِ ، وَثَبَتَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781تَغَيُّرَ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ ، لَزِمَ أَنَّهُ ثَبَتَتِ الْأَحْكَامُ وَجَفَّتِ الْأَقْلَامُ ، وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي عِلْمِ اللَّهِ ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي عِلْمِ اللَّهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ الْمَاضِيَ وَالْحَالَ وَالْمُسْتَقْبَلَ ، وَعَلِمَ الْمَعْدُومَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ ، فَهَذِهِ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ ، ثُمَّ كَلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَمَّا الْمَاضِي : فَإِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَاضِيًا فَإِنَّهُ كَيْفَ كَانَ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَاضِيًا بَلْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا كَيْفَ يَكُونُ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَدَمًا مَحْضًا كَيْفَ يَكُونُ ، فَهَذِهِ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ بِحَسَبِ الْمَاضِي ، وَاعْتَبَرَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ بِحَسَبِ الْحَالِ ، وَبِحَسَبِ الْمُسْتَقْبَلِ ، وَبِحَسَبِ الْمَعْدُومِ الْمَحْضِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سِتَّةَ عَشَرَ ، ثُمَّ اعْتَبَرَ هَذِهِ الْأَقْسَامَ السِّتَّةَ عَشَرَ بِحَسَبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّوَاتِ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْمُفْرَدَاتِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْرَاضِ وَأَجْنَاسِهَا ، فَحِينَئِذٍ يَلُوحُ لِعَقْلِكَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) بَحْرٌ لَا يَنْتَهِي مَجْمُوعُ عُقُولِ الْعُقَلَاءِ إِلَى أَوَّلِ خَطْوَةٍ مِنْ خُطُوَاتِ سَاحِلِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَتَمَ كَلَامَهُ بِأَمْرَيْنِ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19650_19651بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) فَهَذَا يُفِيدُ الْحَصْرَ ، أَيْ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا لَا عَلَى غَيْرِهِ ، وَكَأَنَّهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَزَلَ الْأَسْبَابَ ، وَارْتَقَى عَنْهَا إِلَى مُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ .
وَالثَّانِي : الدُّعَاءُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ،
وَالسُّدِّيُّ : احْكُمْ وَاقْضِ . وَقَالَ
الْفَرَّاءُ :
أَهْلُ عَمَّانَ يُسَمُّونَ الْقَاضِيَ الْفَاتِحَ وَالْفَتَّاحَ ؛ لِأَنَّهُ يَفْتَحُ مَوَاضِعَ الْحَقِّ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ : مَا كُنْتُ أَدْرِي قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) حَتَّى سَمِعْتُ
ابْنَةَ ذِي يَزَنٍ تَقُولُ لِزَوْجِهَا : تَعَالَ أُفَاتِحْكَ ، أَيْ أُحَاكِمْكَ . قَالَ
الزَّجَّاجُ : وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ) أَيْ أَظْهِرْ أَمْرَنَا حَتَّى يَنْفَتِحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا وَيَنْكَشِفَ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ : أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمْ عَذَابًا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ مُبْطِلِينَ ، وَعَلَى كَوْنِ
شُعَيْبٍ وَقَوْمِهِ مُحِقِّينَ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُرَادُ بِهِ الْكَشْفُ وَالتَّبْيِينُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=89وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ . وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَخْلُقُ الْإِيمَانَ فِي الْعَبْدِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَشْرَفُ الْمُحْدَثَاتِ ، وَلَوْ فَسَّرْنَا الْفَتْحَ بِالْكَشْفِ وَالتَّبْيِينِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ كَذَلِكَ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : لَوْ كَانَ الْمُوجِدُ لِلْإِيمَانِ هُوَ الْعَبْدَ لَكَانَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ هُوَ الْعَبْدَ ، وَذَلِكَ يَنْفِي كَوْنَهُ تَعَالَى خَيْرَ الْفَاتِحِينَ .