[ ص: 134 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=76قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=76قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) .
اعلم أنا ذكرنا أن الملأ عبارة عن القوم الذين تمتلئ القلوب من هيبتهم ، ومعنى الآية : قال الملأ وهم الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا ، يريد المساكين الذين آمنوا به ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75لمن آمن منهم ) بدل من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75للذين استضعفوا ) لأنهم المؤمنون . واعلم أنه
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28905_18682وصف أولئك الكفار بكونهم مستكبرين ، ووصف أولئك المؤمنين بكونهم مستضعفين ، وكونهم مستكبرين فعل استوجبوا به الذم ، وكون المؤمنين مستضعفين معناه : أن غيرهم يستضعفهم ويستحقرهم ، وهذا ليس فعلا صادرا عنهم ، بل عن غيرهم ، فهو لا يكون صفة ذم في حقهم ، بل الذم عائد إلى الذين يستحقرونهم ويستضعفونهم . ثم حكى تعالى أن هؤلاء المستكبرين سألوا المستضعفين عن حال
صالح ، فقال المستضعفون : نحن موقنون مصدقون بما جاء به
صالح . وقال المستكبرون : بل نحن كافرون بما جاء به
صالح ، وهذه الآية من أعظم ما يحتج به في بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=29544الفقر خير من الغنى ؛ وذلك لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18682_18670_18679الاستكبار إنما يتولد من كثرة المال والجاه ، والاستضعاف إنما يحصل من قلتهما ، فبين تعالى أن كثرة المال والجاه حملهم على التمرد ، والإباء ، والإنكار ، والكفر . وقلة المال والجاه حملهم على الإيمان ، والتصديق ، والانقياد ، وذلك يدل على أن الفقر خير من الغنى .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77فعقروا الناقة ) قال
الأزهري :
nindex.php?page=treesubj&link=28910العقر عند العرب كشف عرقوب البعير ، ولما كان العقر سببا للنحر أطلق العقر على النحر إطلاقا لاسم السبب على المسبب . واعلم أنه أسند العقر إلى جميعهم ؛ لأنه كان برضاهم مع أنه ما باشره إلا بعضهم ، وقد يقال للقبيلة العظيمة : أنتم فعلتم كذا ، مع أنه ما فعله إلا واحد منهم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77وعتوا عن أمر ربهم ) يقال : عتا يعتو عتوا ، إذا استكبر . ومنه يقال : جبار عات ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد :
[ ص: 135 ] nindex.php?page=treesubj&link=28910_18670العتو : الغلو في الباطل . وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77عن أمر ربهم ) وجهان :
الأول : معناه : استكبروا عن امتثال أمر ربهم ، وذلك الأمر هو الذي أوصله الله إليهم على لسان
صالح عليه السلام ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=73فذروها تأكل في أرض الله ) .
الثاني : أن يكون المعنى : وصدر عتوهم عن أمر ربهم ، فكأن أمر ربهم بتركها صار سببا في إقدامهم على ذلك العتو ، كما يقال : الممنوع متبوع (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا مكذبين له في كل ما أخبر عنه من الوعد والوعيد .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فأخذتهم الرجفة ) قال
الفراء والزجاج : هي الزلزلة الشديدة ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=14يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) [ المزمل : 14 ] قال
الليث : يقال : رجف الشيء يرجف رجفا ورجفانا ، كرجفان البعير تحت الرحل ، وكما يرجف الشجر إذا أرجفته الريح .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فأصبحوا في دارهم جاثمين ) يعني في بلدهم ؛ ولذلك وحد الدار ، كما يقال : دار الحرب ، ومررت بدار البزازين ، وجمع في آية أخرى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67في ديارهم ) [ هود : 67 ] لأنه أراد بالدار ما لكل واحد منهم من منزله الخاص به . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78جاثمين ) قال
أبو عبيدة : الجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل ، فجثوم الطير هو وقوعه لاطئا بالأرض في حال سكونه بالليل ، والمعنى : أنهم أصبحوا جاثمين خامدين لا يتحركون موتى ، يقال : الناس جثم ، أي قعود لا حراك بهم ولا يحسون بشيء ، ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها ، وهي البهيمة التي تربط لترمى ، فثبت أن الجثوم عبارة عن السكون والخمود ، ثم اختلفوا ، فمنهم من قال : لما سمعوا الصيحة العظيمة تقطعت قلوبهم وماتوا جاثمين على الركب ، وقيل : بل سقطوا على وجوههم ، وقيل : وصلت الصاعقة إليهم فاحترقوا وصاروا كالرماد . وقيل : بل عند
nindex.php?page=treesubj&link=31847نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض ، والكل متقارب . وههنا سؤالات :
السؤال الأول : أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ) قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فأخذتهم الرجفة ) والفاء للتعقيب ، وهذا يدل على أن الرجفة أخذتهم عقيب ما ذكروا ذلك الكلام ، وليس الأمر كذلك ؛ لأنه تعالى قال في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) [ هود : 65 ] .
والجواب : أن
nindex.php?page=treesubj&link=31847_34077الذي يحصل عقيب الشيء بمدة قليلة قد يقال فيه إنه حصل عقيبه فزال السؤال .
السؤال الثاني : طعن قوم من الملحدين في هذه الآيات بأن ألفاظ القرآن قد اختلفت في حكاية هذه الواقعة ، وهي
nindex.php?page=treesubj&link=31847_28905الرجفة والطاغية والصيحة ، وزعموا أن ذلك يوجب التناقض .
والجواب : قال
أبو مسلم : الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده سواء كان حيوانا أو غير حيوان وألحق الهاء به للمبالغة ، فالمسلمون يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إن الإنسان ليطغى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أن رآه استغنى ) [ العلق : 6 ، 7 ] ويقال : طغى طغيانا ، وهو طاغ وطاغية . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=11كذبت ثمود بطغواها ) [ الشمس : 11 ] وقال في غير الحيوان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=11إنا لما طغى الماء ) [ الحاقة : 11 ] أي غلب وتجاوز عن الحد ، وأما الرجفة ، فهي الزلزلة في الأرض ، وهي حركة خارجة عن المعتاد ، فلم يبعد إطلاق اسم الطاغية عليها ، وأما الصيحة ، فالغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة . وأما الصاعقة فالغالب أنها الزلزلة ، وكذلك الزجرة قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=19فإنما هي زجرة واحدة nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=14فإذا هم بالساهرة ) [ النازعات : 13 ، 14 ] فبطل ما قاله الطاعن .
[ ص: 136 ] السؤال الثالث : أن القوم قد شاهدوا خروج الناقة من الصخرة وذلك معجزة قاهرة تقرب حال المكلفين عند مشاهدة هذه المعجزة من الإلجاء ، وأيضا شاهدوا أن الماء الذي كان شربا لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين كان شربا لتلك الناقة الواحدة في اليوم الثاني ، وذلك أيضا معجزة قاهرة ، ثم إن القوم لما نحروها ، وكان
صالح عليه السلام قد توعدهم بالعذاب الشديد إن نحروها ، فلما شاهدوا بعد إقدامهم على نحرها آثار العذاب ، وهو ما يروى أنهم احمروا في اليوم الأول ، ثم اصفروا في اليوم الثاني ، ثم اسودوا في اليوم الثالث ، فمع مشاهدة تلك المعجزات القاهرة في أول الأمر ، ثم شاهدوا نزول العذاب الشديد في آخر الأمر ، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مصرا على كفره غير تائب منه ؟
والجواب الأولى أن يقال : إنهم
nindex.php?page=treesubj&link=31847_32016قبل أن شاهدوا تلك العلامات كانوا يكذبون صالحا في نزول العذاب ، فلما شاهدوا العلامات خرجوا عند ذلك عن حد التكليف ، وخرجوا عن أن تكون توبتهم مقبولة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فتولى عنهم ) وفيه قولان :
الأول : أنه تولى عنهم بعد أن ماتوا ، والدليل عليه أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فأصبحوا في دارهم جاثمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فتولى عنهم ) والفاء تدل على التعقيب ، فدل على أنه حصل هذا التولي بعد جثومهم .
والثاني : أنه عليه السلام تولى عنهم قبل موتهم ، بدليل : أنه خاطب القوم وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) وذلك يدل على كونهم أحياء من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه قال لهم : ( يا قوم ) والأموات لا يوصفون بالقوم ؛ لأن اشتقاق لفظ القوم من الاستقلال بالقيام ، وذلك في حق الميت مفقود .
والثاني : أن هذه الكلمات خطاب مع أولئك وخطاب الميت لا يجوز .
والثالث : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79ولكن لا تحبون الناصحين ) فيجب أن يكونوا بحيث يصح حصول المحبة فيهم .
ويمكن أن يجاب عنه فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=19702_19497_32016قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت وكان قد نصحه فلم يقبل تلك النصيحة حتى ألقى نفسه في الهلاك : يا أخي منذ كم نصحتك فلم تقبل ، وكم منعتك فلم تمتنع ، فكذا ههنا ، والفائدة في ذكر هذا الكلام إما لأن يسمعه بعض الأحياء ، فيعتبر به وينزجر عن مثل تلك الطريقة . وإما لأجل أنه احترق قلبه بسبب تلك الواقعة ، فإذا ذكر ذلك الكلام فرجت تلك القضية عن قلبه ، وقيل : يخف عليه أثر تلك المصيبة . وذكروا جوابا آخر ، وهو : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29666_29667_29664_32016صالحا عليه السلام خاطبهم بعد كونهم جاثمين كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام خاطب قتلى بدر ، فقيل : تتكلم مع هؤلاء الجيف ؟ فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012689ما أنتم بأسمع منهم لكنهم لا يقدرون على الجواب " .
[ ص: 134 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=76قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=76قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَلَأَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ تَمْتَلِئُ الْقُلُوبُ مِنْ هَيْبَتِهِمْ ، وَمَعْنَى الْآيَةِ : قَالَ الْمَلَأُ وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينِ اسْتُضْعِفُوا ، يُرِيدُ الْمَسَاكِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=75لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) لِأَنَّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=34077_28905_18682وَصَفَ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ بِكَوْنِهِمْ مُسْتَكْبِرِينَ ، وَوَصَفَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَوْنِهِمْ مُسْتَضْعَفِينَ ، وَكَوْنُهُمْ مُسْتَكْبِرِينَ فِعْلٌ اسْتَوْجَبُوا بِهِ الذَّمَّ ، وَكَوْنُ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَضْعَفِينَ مَعْنَاهُ : أَنَّ غَيْرَهُمْ يَسْتَضْعِفُهُمْ وَيَسْتَحْقِرُهُمْ ، وَهَذَا لَيْسَ فِعْلًا صَادِرًا عَنْهُمْ ، بَلْ عَنْ غَيْرِهِمْ ، فَهُوَ لَا يَكُونُ صِفَةَ ذَمٍّ فِي حَقِّهِمْ ، بَلِ الذَّمُّ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ يَسْتَحْقِرُونَهُمْ وَيَسْتَضْعِفُونَهُمْ . ثُمَّ حَكَى تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَكْبِرِينَ سَأَلُوا الْمُسْتَضْعَفِينَ عَنْ حَالِ
صَالِحٍ ، فَقَالَ الْمُسْتَضْعَفُونَ : نَحْنُ مُوقِنُونَ مُصَدِّقُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ
صَالِحٌ . وَقَالَ الْمُسْتَكْبِرُونَ : بَلْ نَحْنُ كَافِرُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ
صَالِحٌ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي بَيَانِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29544الْفَقْرَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18682_18670_18679الِاسْتِكْبَارَ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ ، وَالِاسْتِضْعَافُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ قِلَّتِهِمَا ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ وَالْجَاهِ حَمَلَهُمْ عَلَى التَّمَرُّدِ ، وَالْإِبَاءِ ، وَالْإِنْكَارِ ، وَالْكُفْرِ . وَقِلَّةَ الْمَالِ وَالْجَاهِ حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ ، وَالتَّصْدِيقِ ، وَالِانْقِيَادِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77فَعَقَرُوا النَّاقَةَ ) قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=28910الْعَقْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ كَشْفُ عُرْقُوبِ الْبَعِيرِ ، وَلَمَّا كَانَ الْعَقْرُ سَبَبًا لِلنَّحْرِ أُطْلِقَ الْعَقْرُ عَلَى النَّحْرِ إِطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْعَقْرَ إِلَى جَمِيعِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُمْ مَعَ أَنَّهُ مَا بَاشَرَهُ إِلَّا بَعْضُهُمْ ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْقَبِيلَةِ الْعَظِيمَةِ : أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كَذَا ، مَعَ أَنَّهُ مَا فَعَلَهُ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ) يُقَالُ : عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا ، إِذَا اسْتَكْبَرَ . وَمِنْهُ يُقَالُ : جَبَّارٌ عَاتٍ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ :
[ ص: 135 ] nindex.php?page=treesubj&link=28910_18670الْعُتُوُّ : الْغُلُوُّ فِي الْبَاطِلِ . وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ) وَجْهَانِ :
الْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ : اسْتَكْبَرُوا عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ هُوَ الَّذِي أَوْصَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ
صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=73فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ) .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَصَدَرَ عُتُوُّهُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، فَكَأَنَّ أَمْرَ رَبِّهِمْ بِتَرْكِهَا صَارَ سَبَبًا فِي إِقْدَامِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْعُتُوِّ ، كَمَا يُقَالُ : الْمَمْنُوعُ مَتْبُوعٌ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ لَهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) قَالَ
الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ : هِيَ الزَّلْزَلَةُ الشَّدِيدَةُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=14يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا ) [ الْمُزَّمِّلُ : 14 ] قَالَ
اللَّيْثُ : يُقَالُ : رَجَفَ الشَّيْءُ يَرْجُفُ رَجْفًا وَرَجَفَانًا ، كَرَجَفَانِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الرَّحْلِ ، وَكَمَا يَرْجُفُ الشَّجَرُ إِذَا أَرْجَفَتْهُ الرِّيحُ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ) يَعْنِي فِي بَلَدِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ وَحَّدَ الدَّارَ ، كَمَا يُقَالُ : دَارُ الْحَرْبِ ، وَمَرَرْتُ بِدَارِ الْبَزَّازِينَ ، وَجَمَعَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=67فِي دِيَارِهِمْ ) [ هُودٍ : 67 ] لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالدَّارِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِ الْخَاصِّ بِهِ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78جَاثِمِينَ ) قَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : الْجُثُومُ لِلنَّاسِ وَالطَّيْرِ بِمَنْزِلَةِ الْبُرُوكِ لِلْإِبِلِ ، فَجُثُومِ الطَّيْرِ هُوَ وُقُوعُهُ لَاطِئًا بِالْأَرْضِ فِي حَالِ سُكُونِهِ بِاللَّيْلِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ أَصْبَحُوا جَاثِمِينَ خَامِدِينَ لَا يَتَحَرَّكُونَ مَوْتَى ، يُقَالُ : النَّاسُ جَثْمٌ ، أَيْ قُعُودٌ لَا حَرَاكَ بِهِمْ وَلَا يُحِسُّونَ بِشَيْءٍ ، وَمِنْهُ الْمُجَثَّمَةُ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا ، وَهِيَ الْبَهِيمَةُ الَّتِي تُرْبَطُ لِتُرْمَى ، فَثَبَتَ أَنَّ الْجُثُومَ عِبَارَةٌ عَنِ السُّكُونِ وَالْخُمُودِ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَمَّا سَمِعُوا الصَّيْحَةَ الْعَظِيمَةَ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ وَمَاتُوا جَاثِمِينَ عَلَى الرُّكَبِ ، وَقِيلَ : بَلْ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ ، وَقِيلَ : وَصَلَتِ الصَّاعِقَةُ إِلَيْهِمْ فَاحْتَرَقُوا وَصَارُوا كَالرَّمَادِ . وَقِيلَ : بَلْ عِنْدَ
nindex.php?page=treesubj&link=31847نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ سَقَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ . وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=77يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ) وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجْفَةَ أَخَذَتْهُمْ عَقِيبَ مَا ذَكَرُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ) [ هُودٍ : 65 ] .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31847_34077الَّذِي يَحْصُلُ عَقِيبَ الشَّيْءِ بِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ قَدْ يُقَالُ فِيهِ إِنَّهُ حَصَلَ عَقِيبَهُ فَزَالَ السُّؤَالُ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : طَعَنَ قَوْمٌ مِنَ الْمُلْحِدِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِأَنَّ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ قَدِ اخْتَلَفَتْ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ، وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=31847_28905الرَّجْفَةُ وَالطَّاغِيَةُ وَالصَّيْحَةُ ، وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ التَّنَاقُضَ .
وَالْجَوَابُ : قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : الطَّاغِيَةُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا تَجَاوَزَ حَدَّهُ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ وَأَلْحَقَ الْهَاءَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ ، فَالْمُسْلِمُونَ يُسَمُّونَ الْمَلِكَ الْعَاتِيَ بِالطَّاغِيَةِ وَالطَّاغُوتِ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=7أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) [ الْعَلَقِ : 6 ، 7 ] وَيُقَالُ : طَغَى طُغْيَانًا ، وَهُوَ طَاغٍ وَطَاغِيَةٌ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=11كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ) [ الشَّمْسِ : 11 ] وَقَالَ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=11إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ ) [ الْحَاقَّةِ : 11 ] أَيْ غَلَبَ وَتَجَاوَزَ عَنِ الْحَدِّ ، وَأَمَّا الرَّجْفَةُ ، فَهِيَ الزَّلْزَلَةُ فِي الْأَرْضِ ، وَهِيَ حَرَكَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْمُعْتَادِ ، فَلَمْ يَبْعُدْ إِطْلَاقُ اسْمِ الطَّاغِيَةِ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا الصَّيْحَةُ ، فَالْغَالِبُ أَنَّ الزَّلْزَلَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الصَّيْحَةِ الْعَظِيمَةِ الْهَائِلَةِ . وَأَمَّا الصَّاعِقَةُ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا الزَّلْزَلَةُ ، وَكَذَلِكَ الزَّجْرَةُ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=19فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=14فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) [ النَّازِعَاتِ : 13 ، 14 ] فَبَطَلَ مَا قَالَهُ الطَّاعِنُ .
[ ص: 136 ] السُّؤَالُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ شَاهَدُوا خُرُوجَ النَّاقَةِ مِنَ الصَّخْرَةِ وَذَلِكَ مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ تُقَرِّبُ حَالَ الْمُكَلَّفِينَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ مِنَ الْإِلْجَاءِ ، وَأَيْضًا شَاهَدُوا أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ شِرْبًا لِكُلِّ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ كَانَ شِرْبًا لِتِلْكَ النَّاقَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، وَذَلِكَ أَيْضًا مُعْجِزَةٌ قَاهِرَةٌ ، ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا نَحَرُوهَا ، وَكَانَ
صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ تَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ إِنْ نَحَرُوهَا ، فَلَمَّا شَاهَدُوا بَعْدَ إِقْدَامِهِمْ عَلَى نَحْرِهَا آثَارَ الْعَذَابِ ، وَهُوَ مَا يُرْوَى أَنَّهُمُ احْمَرُّوا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ اصْفَرُّوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ، ثُمَّ اسْوَدُّوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ، فَمَعَ مُشَاهَدَةِ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، ثُمَّ شَاهَدُوا نُزُولَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ ، هَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى الْعَاقِلُ مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ مُصِرًّا عَلَى كُفْرِهِ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهُ ؟
وَالْجَوَابُ الْأُولَى أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=31847_32016قَبْلَ أَنْ شَاهَدُوا تِلْكَ الْعَلَامَاتِ كَانُوا يُكَذِّبُونَ صَالِحًا فِي نُزُولِ الْعَذَابِ ، فَلَمَّا شَاهَدُوا الْعَلَامَاتِ خَرَجُوا عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ حَدِّ التَّكْلِيفِ ، وَخَرَجُوا عَنْ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهُمْ مَقْبُولَةً .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فَتَوَلَّى عَنْهُمْ ) وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَوَلَّى عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ مَاتُوا ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=78فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79فَتَوَلَّى عَنْهُمْ ) وَالْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَصَلَ هَذَا التَّوَلِّي بَعْدَ جُثُومِهِمْ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوَلَّى عَنْهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِمْ ، بِدَلِيلِ : أَنَّهُ خَاطَبَ الْقَوْمَ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : ( يَا قَوْمِ ) وَالْأَمْوَاتُ لَا يُوصَفُونَ بِالْقَوْمِ ؛ لِأَنَّ اشْتِقَاقَ لَفْظِ الْقَوْمِ مِنَ الِاسْتِقْلَالِ بِالْقِيَامِ ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ مَفْقُودٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ خِطَابٌ مَعَ أُولَئِكَ وَخِطَابُ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ) فَيَجِبُ أَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَصِحُّ حُصُولُ الْمَحَبَّةِ فِيهِمْ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=19702_19497_32016قَدْ يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ مَيِّتٌ وَكَانَ قَدْ نَصَحَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ تِلْكَ النَّصِيحَةَ حَتَّى أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْهَلَاكِ : يَا أَخِي مُنْذُ كَمْ نَصَحْتُكَ فَلَمْ تَقْبَلْ ، وَكَمْ مَنَعْتُكَ فَلَمْ تَمْتَنِعْ ، فَكَذَا هَهُنَا ، وَالْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ إِمَّا لِأَنْ يَسْمَعَهُ بَعْضُ الْأَحْيَاءِ ، فَيَعْتَبِرَ بِهِ وَيَنْزَجِرَ عَنْ مِثْلِ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ . وَإِمَّا لِأَجْلِ أَنَّهُ احْتَرَقَ قَلْبُهُ بِسَبَبِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ ، فَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَرَّجَتْ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ عَنْ قَلْبِهِ ، وَقِيلَ : يَخِفُّ عَلَيْهِ أَثَرُ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ . وَذَكَرُوا جَوَابًا آخَرَ ، وَهُوَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29666_29667_29664_32016صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاطَبَهُمْ بَعْدَ كَوْنِهِمْ جَاثِمِينَ كَمَا أَنَّ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَاطَبَ قَتْلَى بَدْرٍ ، فَقِيلَ : تَتَكَلَّمُ مَعَ هَؤُلَاءِ الْجِيَفِ ؟ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012689مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ لَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْجَوَابِ " .