[ ص: 129 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين ) .
اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=31842هودا عليه السلام دعا قومه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدليل القاطع ؛ وذلك لأنه بين أن نعم الله عليهم كثيرة عظيمة ، وصريح العقل يدل على أنه ليس للأصنام شيء من النعم على الخلق لأنها جمادات ، والجماد لا قدرة له على شيء أصلا ، وظاهر أن العبادة نهاية التعظيم ،
nindex.php?page=treesubj&link=32454ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام ، وذلك يدل على أنه يجب عليهم أن يعبدوا الله ، وأن لا يعبدوا شيئا من الأصنام ، ومقصود الله تعالى من ذكر أقسام إنعامه على العبيد ، هذه الحجة التي ذكرها . ثم إن
هودا عليه السلام لما ذكر هذه الحجة اليقينية لم يكن من القوم جواب عن هذه الحجة التي ذكرها إلا التمسك بطريقة التقليد ، فقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا ) ثم قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70فأتنا بما تعدنا ) وذلك لأنه عليه السلام قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65أفلا تتقون ) مشعر
nindex.php?page=treesubj&link=30532بالتهديد والتخويف بالوعيد ، فلهذا المعنى قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70فأتنا بما تعدنا ) وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون كونه كاذبا بدليل أنهم قالوا له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66وإنا لنظنك من الكاذبين ) فلما اعتقدوا كونه كاذبا قالوا له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70فأتنا بما تعدنا ) والغرض أنه إذا لم يأتهم بذلك العذاب ظهر للقوم كونه كاذبا ، وإنما قالوا ذلك لأنهم ظنوا أن الوعد لا يجوز أن يتأخر ، فلا جرم استعجلوه على هذا الحد .
ثم حكى الله تعالى عن
هود عليه السلام أنه قال عند هذا الكلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الذي أخبر الله عنه بأنه وقع لا يجوز أن يكون هو العذاب ؛ لأن العذاب ما كان حاصلا في ذلك الوقت ، وقد اختلفوا فيه ، قال القاضي : تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر ، إلا أنا نقول : معناه أنه تعالى أحدث إرادة في ذلك الوقت ، لا أن بعد كفرهم وتكذيبهم حدثت هذه الإرادة . واعلم أن هذا القول عندنا باطل ، بل عندنا في الآية وجوه من التأويلات :
أحدها : أنه تعالى أخبره في ذلك الوقت بنزول
[ ص: 130 ] العذاب عليهم ، فلما حدث الإعلام في ذلك الوقت لا جرم قال
هود في ذلك الوقت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ) .
وثانيها : أنه جعل التوقع الذي لا بد من نزوله بمنزلة الواقع . ونظيره قولك لمن طلب منك شيئا : قد كان ذلك ؛ بمعنى أنه سيكون ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله ) بمعنى : سيأتي أمر الله .
وثالثها : أنا نحمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71وقع ) على معنى وجد وحصل ، والمعنى : إرادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل إلى الأبد ؛ لأن قولنا : حصل ، لا إشعار له بالحدوث بعد ما لم يكن .
المسألة الثانية : الرجس لا يمكن أن يكون المراد منه العذاب ؛ لأن المراد من الغضب العذاب ، فلو حملنا الرجس عليه لزم التكرير ، وأيضا الرجس ضد التزكية والتطهير . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تطهرهم وتزكيهم بها ) [ التوبة : 103 ] وقال في صفة أهل البيت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33ويطهركم تطهيرا ) [ الأحزاب : 33 ] والمراد التطهر من العقائد الباطلة والأفعال المذمومة ، وإذا كان كذلك ، وجب أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=28910_20369_20388الرجس عبارة عن العقائد الباطلة والأفعال المذمومة .
إذا ثبت هذا فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قد وقع عليكم من ربكم رجس ) يدل على أنه تعالى خصهم بالعقائد المذمومة والصفات القبيحة ، وذلك يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28786الخير والشر من الله تعالى ، قال
القفال : يجوز أن يكون الرجس هو الازدياد في الكفر بالرين على القلوب ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 125 ] أي قد وقع عليكم من الله رين على قلوبكم عقوبة منه لكم بالخذلان لإلفكم الكفر وتماديكم في الغي .
واعلم أنا قد دللنا على أن هذه الآية تدل على أن كفرهم من الله ، فهذا الذي قاله
القفال إن كان المراد منه ذلك ، فقد جاء بالوفاق ، إلا أنه شديد النفرة عن هذا المذهب ، وأكثر تأويل الآيات الدالة على هذا المذهب تدل على أنه لا يقول بهذا القول . وإن كان المراد منه الجواب عما شرحناه ، فهو ضعيف لأنه ليس فيه ما يوجب رفع الدليل الذي ذكرناه ، والله أعلم .
وحاصل الكلام في الآية : أن القوم لما أصروا على التقليد وعدم الانقياد للدليل زادهم الله كفرا ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قد وقع عليكم من ربكم رجس ) ثم خصهم بمزيد الغضب ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71وغضب ) .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ) والمراد منه : الاستفهام على سبيل الإنكار ، وذلك لأنهم كانوا
nindex.php?page=treesubj&link=33650_30554يسمون الأصنام بالآلهة ، مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ، وسموا واحدا منها بالعزى مشتقا من العز ، والله ما أعطاه عزا أصلا ، وسموا آخر منها باللات ، وليس له من الإلهية شيء . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71ما نزل الله بها من سلطان ) عبارة عن
nindex.php?page=treesubj&link=30554_31843خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة ، ثم إنه عليه السلام ذكر لهم وعيدا مجددا فقال : ( فانتظروا ) ما يحصل لكم من عبادة هذه الأصنام (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71إني معكم من المنتظرين ) .
ثم إنه تعالى أخبر عن عاقبة هذه الواقعة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فأنجيناه والذين معه برحمة منا ) إذ كانوا مستحقين للرحمة بسبب إيمانهم ، وقطعنا دابر الذين كذبوا بالآيات التي جعلناها معجزة لهود ، والمراد أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31843أنزل عليهم عذاب الاستئصال الذي هو الريح ، وقد بين الله كيفيته في غير هذا الموضع ، وقطع الدابر هو الاستئصال ، فدل بهذا اللفظ أنه تعالى ما أبقى منهم أحدا ، ودابر الشيء آخره .
[ ص: 131 ] فإن قيل : لما أخبر عنهم بأنهم كانوا مكذبين بآيات الله لزم القطع بأنهم ما كانوا مؤمنين ، فما الفائدة في قوله بعد ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72وما كانوا مؤمنين ) ؟ .
قلنا : معناه أنهم مكذبون ، وعلم الله منهم أنهم لو بقوا لم يؤمنوا أيضا ، ولو علم تعالى أنهم سيؤمنون لأبقاهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=73وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ، فيأخذكم عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=74واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) .
[ ص: 129 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31842هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَصَرِيحُ الْعَقْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَصْنَامِ شَيْءٌ مِنَ النِّعَمِ عَلَى الْخَلْقِ لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ ، وَالْجَمَادُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبَادَةَ نِهَايَةُ التَّعْظِيمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=32454وَنِهَايَةُ التَّعْظِيمِ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ يَصْدُرُ عَنْهُ نِهَايَةُ الْإِنْعَامِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ ، وَأَنْ لَا يَعْبُدُوا شَيْئًا مِنَ الْأَصْنَامِ ، وَمَقْصُودُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِ أَقْسَامِ إِنْعَامِهِ عَلَى الْعَبِيدِ ، هَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا . ثُمَّ إِنَّ
هُودًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْحُجَّةَ الْيَقِينِيَّةَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقَوْمِ جَوَابٌ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا إِلَّا التَّمَسُّكَ بِطَرِيقَةِ التَّقْلِيدِ ، فَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) ثُمَّ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65أَفَلَا تَتَّقُونَ ) مُشْعِرٌ
nindex.php?page=treesubj&link=30532بِالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ بِالْوَعِيدِ ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ كَاذِبًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=66وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) فَلَمَّا اعْتَقَدُوا كَوْنَهُ كَاذِبًا قَالُوا لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=70فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) وَالْغَرَضُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَأْتِهِمْ بِذَلِكَ الْعَذَابِ ظَهَرَ لِلْقَوْمِ كَوْنُهُ كَاذِبًا ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ ، فَلَا جَرَمَ اسْتَعْجَلُوهُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ .
ثُمَّ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ
هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذَا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُ وَقَعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعَذَابَ ؛ لِأَنَّ الْعَذَابَ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، قَالَ الْقَاضِي : تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِنَا ظَاهِرٌ ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَحْدَثَ إِرَادَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، لَا أَنَّ بَعْدَ كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَنَا بَاطِلٌ ، بَلْ عِنْدَنَا فِي الْآيَةِ وُجُوهٌ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِنُزُولِ
[ ص: 130 ] الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ ، فَلَمَّا حَدَثَ الْإِعْلَامُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا جَرَمَ قَالَ
هُودٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ) .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ جَعَلَ التَّوَقُّعَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ نُزُولِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ لِمَنْ طَلَبَ مِنْكَ شَيْئًا : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ سَيَكُونُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ) بِمَعْنَى : سَيَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّا نَحْمِلُ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71وَقَعَ ) عَلَى مَعْنَى وُجِدَ وَحَصَلَ ، وَالْمَعْنَى : إِرَادَةُ إِيقَاعِ الْعَذَابِ عَلَيْكُمْ حَصَلَتْ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا : حَصَلَ ، لَا إِشْعَارَ لَهُ بِالْحُدُوثِ بَعْدَ مَا لَمْ يَكُنْ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الرِّجْسُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْعَذَابَ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْغَضَبِ الْعَذَابُ ، فَلَوْ حَمَلْنَا الرِّجْسَ عَلَيْهِ لَزِمَ التَّكْرِيرُ ، وَأَيْضًا الرِّجْسُ ضِدُّ التَّزْكِيَةِ وَالتَّطْهِيرِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) [ التَّوْبَةِ : 103 ] وَقَالَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الْأَحْزَابِ : 33 ] وَالْمُرَادُ التَّطَهُّرُ مِنَ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28910_20369_20388الرِّجْسُ عِبَارَةً عَنِ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَصَّهُمْ بِالْعَقَائِدِ الْمَذْمُومَةِ وَالصِّفَاتِ الْقَبِيحَةِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28786الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَ
الْقَفَّالُ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّجْسُ هُوَ الِازْدِيَادُ فِي الْكُفْرِ بِالرَّيْنِ عَلَى الْقُلُوبِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ) [ التَّوْبَةِ : 125 ] أَيْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ رَيْنٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ عُقُوبَةً مِنْهُ لَكُمْ بِالْخِذْلَانِ لِإِلْفِكُمُ الْكُفْرَ وَتَمَادِيكُمْ فِي الْغَيِّ .
وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ دَلَلْنَا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ مِنَ اللَّهِ ، فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
الْقَفَّالُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ ذَلِكَ ، فَقَدْ جَاءَ بِالْوِفَاقِ ، إِلَّا أَنَّهُ شَدِيدُ النَّفْرَةِ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ ، وَأَكْثَرُ تَأْوِيلِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ . وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْجَوَابَ عَمَّا شَرَحْنَاهُ ، فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ رَفْعَ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ فِي الْآيَةِ : أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا أَصَرُّوا عَلَى التَّقْلِيدِ وَعَدَمِ الِانْقِيَادِ لِلدَّلِيلِ زَادَهُمُ اللَّهُ كُفْرًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ ) ثُمَّ خَصَّهُمْ بِمَزِيدِ الْغَضَبِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71وَغَضَبٌ ) .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ : الِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا
nindex.php?page=treesubj&link=33650_30554يُسَمُّونَ الْأَصْنَامَ بِالْآلِهَةِ ، مَعَ أَنَّ مَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ فِيهَا مَعْدُومٌ ، وَسَمَّوْا وَاحِدًا مِنْهَا بِالْعُزَّى مُشْتَقًّا مِنَ الْعِزِّ ، وَاللَّهُ مَا أَعْطَاهُ عِزًّا أَصْلًا ، وَسَمَّوْا آخَرَ مِنْهَا بِاللَّاتِ ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ شَيْءٌ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) عِبَارَةٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30554_31843خُلُوِّ مَذَاهِبِهِمْ عَنِ الْحُجَّةِ وَالْبَيِّنَةِ ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ لَهُمْ وَعِيدًا مُجَدَّدًا فَقَالَ : ( فَانْتَظِرُوا ) مَا يَحْصُلُ لَكُمْ مِنْ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=71إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ) .
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ عَاقِبَةِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ) إِذْ كَانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلرَّحْمَةِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ ، وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الَّتِي جَعَلْنَاهَا مُعْجِزَةً لِهُودٍ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31843أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ الَّذِي هُوَ الرِّيحُ ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ كَيْفِيَّتَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَقَطْعُ الدَّابِرِ هُوَ الِاسْتِئْصَالُ ، فَدَلَّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدًا ، وَدَابِرُ الشَّيْءِ آخِرُهُ .
[ ص: 131 ] فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَزِمَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=72وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ) ؟ .
قُلْنَا : مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ مُكَذِّبُونَ ، وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ بَقُوا لَمْ يُؤْمِنُوا أَيْضًا ، وَلَوْ عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ لَأَبْقَاهُمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=73وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ ، فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=74وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) .