(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=9ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=9ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون )
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أن من جملة أحوال القيامة السؤال والحساب ، بين في هذه الآية أن من جملة أحوال القيامة أيضا وزن الأعمال ، وفي الآية مسائل :
[ ص: 22 ] المسألة الأولى : ( الوزن ) مبتدأ و ( يومئذ ) ظرف له و ( الحق ) خبر المبتدأ ، ويجوز أن يكون ( يومئذ ) الخبر و ( الحق ) صفة للوزن ، أي : والوزن الحق ؛ أي : العدل يوم يسأل الله الأمم والرسل .
المسألة الثانية : في
nindex.php?page=treesubj&link=30358تفسير وزن الأعمال قولان :
الأول : في الخبر
nindex.php?page=treesubj&link=30358أنه تعالى ينصب ميزانا له لسان وكفتان يوم القيامة ، يوزن به أعمال العباد خيرها وشرها ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة ، فتوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته ، فذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ) الناجون ، قال : وهذا كما قال في سورة الأنبياء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ) ( الأنبياء : 47 ) وأما كيفية وزن الأعمال على هذا القول ، ففيه وجوه :
أحدهما : إن
nindex.php?page=treesubj&link=30358أعمال المؤمن تتصور بصورة حسنة ، وأعمال الكافر بصورة قبيحة ، فتوزن تلك الصورة : كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثاني : إن الوزن يعود إلى الصحف التي تكون فيها أعمال العباد مكتوبة ،
nindex.php?page=treesubj&link=30358وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوزن يوم القيامة فقال : "الصحف" وهذا القول مذهب عامة المفسرين في هذه الآية ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=30358ميزان رب العالمين ينصب بين الجن والإنس يستقبل به العرش ، إحدى كفتي الميزان على الجنة ، والأخرى على جهنم ، ولو وضعت السماوات والأرض في إحداهما لوسعتهن ،
وجبريل آخذ بعموده ينظر إلى لسانه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ويؤتى له بتسعة وتسعين سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة الميزان ، ثم يخرج له قرطاس كالأنملة فيه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، يوضع في الأخرى ، فترجح وعن
الحسن :
بينما الرسول - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم واضع رأسه في حجر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنه قد أغفى فسالت الدموع من عينها ، فقال : "ما أصابك ما أبكاك ؟ " فقالت : ذكرت حشر الناس وهل يذكر أحد أحدا ، فقال لها : "يحشرون حفاة عراة غرلا ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ، لا يذكر أحد أحدا عند الصحف ، وعند وزن الحسنات والسيئات . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير يؤتى بالرجل العظيم الأكول الشروب فلا يكون له وزن بعوضة .
والقول الثاني : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ، أن المراد من الميزان العدل والقضاء . وكثير من المتأخرين ذهبوا إلى هذا القول ، وقالوا : حمل لفظ الوزن على هذا المعنى سائغ في اللغة ، والدليل عليه ، فوجب المصير إليه . وأما بيان أن حمل لفظ الوزن على هذا المعنى جائز في اللغة ، فلأن العدل في الأخذ والإعطاء ، لا يظهر إلا بالكيل والوزن في الدنيا ، فلم يبعد جعل الوزن كناية عن العدل ، ومما يقوي ذلك أن الرجل إذا لم يكن له قدرة ولا قيمة عند غيره يقال : إن فلانا لا يقيم لفلان وزنا ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=105فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) ( الكهف : 105 ) ويقال أيضا : فلان استخف بفلان ، ويقال : هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه ، أي يعادله ويساويه مع أنه ليس هناك وزن في الحقيقة ، قال الشاعر :
قد كنت قبل لقائكم ذا قوة عندي لكل مخاصم ميزانه
أراد : عندي لكل مخاصم كلام يعادل كلامه ، فجعل الوزن مثلا للعدل .
إذا ثبت هذا فنقول : وجب أن يكون المراد من هذه الآية هذا المعنى فقط ، والدليل عليه أن الميزان ، إنما يراد ليتوصل به إلى معرفة مقدار الشيء ، ومقادير الثواب والعقاب لا يمكن إظهارها بالميزان ، لأن أعمال العباد أعراض ، وهي قد فنيت وعدمت ، ووزن المعدوم محال ، وأيضا فبتقدير بقائها كان وزنها محالا ، وأما
[ ص: 23 ] قولهم : الموزون صحائف الأعمال أو صور مخلوقة على حسب مقادير الأعمال ، فنقول : المكلف يوم القيامة ، إما أن يكون مقرا بأنه تعالى عادل حكيم أو لا يكون مقرا بذلك ، فإن كان مقرا بذلك ، فحينئذ كفاه حكم الله تعالى بمقادير الثواب والعقاب في علمه بأنه عدل وصواب ، وإن لم يكن مقرا بذلك لم يعرف من رجحان كفة الحسنات على كفة السيئات أو بالعكس حصول الرجحان ؛ لاحتمال أنه تعالى أظهر ذلك الرجحان لا على سبيل العدل والإنصاف : فثبت أن هذا الوزن لا فائدة فيه ألبتة ، أجاب الأولون وقالوا : إن جميع المكلفين يعلمون يوم القيامة أنه تعالى منزه عن الظلم والجور ،
nindex.php?page=treesubj&link=30358والفائدة في وضع ذلك الميزان أن يظهر ذلك الرجحان لأهل القيامة ، فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ، ازداد فرحه وسروره بسبب ظهور فضله وكمال درجته لأهل القيامة ، وإن كان بالضد فيزداد غمه وحزنه وخوفه وفضيحته في موقف القيامة .
ثم اختلفوا في كيفية ذلك الرجحان ، فبعضهم قال : يظهر هناك نور في رجحان الحسنات ، وظلمة في رجحان السيئات ، وآخرون قالوا : بل بظهور رجحان في الكفة .
المسألة الثالثة : الأظهر إثبات موازين في يوم القيامة لا ميزان واحد والدليل عليه قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) ( الأنبياء : 47 ) وقال في هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8فمن ثقلت موازينه ) وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لأفعال القلوب ميزان ، ولأفعال الجوارح ميزان ، ولما يتعلق بالقول ميزان آخر .
قال
الزجاج : إنما جمع الله الموازين ههنا ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8فمن ثقلت موازينه ) ولم يقل : ميزانه ؛ لوجهين :
الأول : إن
nindex.php?page=treesubj&link=34080العرب قد توقع لفظ الجمع على الواحد . فيقولون : خرج فلان إلى
مكة على البغال .
والثاني : إن
nindex.php?page=treesubj&link=30358المراد من الموازين ههنا جمع موزون لا جمع ميزان وأراد بالموازين الأعمال الموزونة ، ولقائل أن يقول : هذان الوجهان يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ ، وذلك إنما يصار إليه عند تعذر حمل الكلام على ظاهره ولا مانع ههنا منه فوجب إجراء اللفظ على حقيقته فكما لم يمتنع إثبات ميزان له لسان وكفتان ، فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصفة ، فما الموجب لترك الظاهر والمصير إلى التأويل ؟
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=9وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=9وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ السُّؤَالَ وَالْحِسَابَ ، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا وَزْنَ الْأَعْمَالِ ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
[ ص: 22 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ( الْوَزْنُ ) مُبْتَدَأٌ وَ ( يَوْمَئِذٍ ) ظَرْفٌ لَهُ وَ ( الْحَقُّ ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( يَوْمَئِذٍ ) الْخَبَرَ وَ ( الْحَقُّ ) صِفَةً لِلْوَزْنِ ، أَيْ : وَالْوَزْنُ الْحَقُّ ؛ أَيِ : الْعَدْلُ يَوْمَ يَسْأَلُ اللَّهُ الْأُمَمَ وَالرُّسُلَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30358تَفْسِيرِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : فِي الْخَبَرِ
nindex.php?page=treesubj&link=30358أَنَّهُ تَعَالَى يَنْصِبُ مِيزَانًا لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يُوزَنُ بِهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا ، ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُؤْتَى بِعَمَلِهِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ ، فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتَثْقُلُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النَّاجُونَ ، قَالَ : وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) ( الْأَنْبِيَاءِ : 47 ) وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَزْنِ الْأَعْمَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهُمَا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30358أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِ تَتَصَوَّرُ بِصُورَةٍ حَسَنَةٍ ، وَأَعْمَالَ الْكَافِرِ بِصُورَةٍ قَبِيحَةٍ ، فَتُوزَنُ تِلْكَ الصُّورَةُ : كَمَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ .
وَالثَّانِي : إِنَّ الْوَزْنَ يَعُودُ إِلَى الصُّحُفِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ مَكْتُوبَةً ،
nindex.php?page=treesubj&link=30358وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ : "الصُّحُفُ" وَهَذَا الْقَوْلُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30358مِيزَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُنْصَبُ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْعَرْشُ ، إِحْدَى كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ عَلَى الْجَنَّةِ ، وَالْأُخْرَى عَلَى جَهَنَّمَ ، وَلَوْ وُضِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي إِحْدَاهُمَا لَوَسِعَتْهُنَّ ،
وَجِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَمُودِهِ يَنْظُرُ إِلَى لِسَانِهِ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْمِيزَانِ وَيُؤْتَى لَهُ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَّ الْبَصَرِ ، فِيهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوبُهُ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ ، ثُمَّ يُخْرَجُ لَهُ قِرْطَاسٌ كَالْأُنْمُلَةِ فِيهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، يُوضَعُ فِي الْأُخْرَى ، فَتَرْجُحُ وَعَنِ
الْحَسَنِ :
بَيْنَمَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَاضِعٌ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ أَغْفَى فَسَالَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنِهَا ، فَقَالَ : "مَا أَصَابَكِ مَا أَبْكَاكِ ؟ " فَقَالَتْ : ذَكَرْتُ حَشْرَ النَّاسِ وَهَلْ يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا ، فَقَالَ لَهَا : "يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ، لِكُلٍّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ، لَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا عِنْدَ الصُّحُفِ ، وَعِنْدَ وَزْنِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْعَظِيمِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وَزْنُ بَعُوضَةٍ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ ، أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمِيزَانِ الْعَدْلُ وَالْقَضَاءُ . وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَهَبُوا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ ، وَقَالُوا : حَمْلُ لَفْظِ الْوَزْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ . وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الْوَزْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ ، فَلِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ ، لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي الدُّنْيَا ، فَلَمْ يَبْعُدْ جَعْلُ الْوَزْنِ كِنَايَةً عَنِ الْعَدْلِ ، وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَلَا قِيمَةٌ عِنْدَ غَيْرِهِ يُقَالُ : إِنَّ فُلَانًا لَا يُقِيمُ لِفُلَانٍ وَزْنًا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=105فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) ( الْكَهْفِ : 105 ) وَيُقَالُ أَيْضًا : فُلَانٌ اسْتَخَفَّ بِفُلَانٍ ، وَيُقَالُ : هَذَا الْكَلَامُ فِي وَزْنِ هَذَا وَفِي وِزَانِهِ ، أَيْ يُعَادِلُهُ وَيُسَاوِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ وَزْنٌ فِي الْحَقِيقَةِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا قُوَّةٍ عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ
أَرَادَ : عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ كَلَامٌ يُعَادِلُ كَلَامَهُ ، فَجَعَلَ الْوَزْنَ مَثَلًا لِلْعَدْلِ .
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمِيزَانَ ، إِنَّمَا يُرَادُ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الشَّيْءِ ، وَمَقَادِيرُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَا يُمْكِنُ إِظْهَارُهَا بِالْمِيزَانِ ، لِأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ أَعْرَاضٌ ، وَهِيَ قَدْ فَنِيَتْ وَعُدِمَتْ ، وَوَزْنُ الْمَعْدُومِ مُحَالٌ ، وَأَيْضًا فَبِتَقْدِيرِ بَقَائِهَا كَانَ وَزْنُهَا مُحَالًا ، وَأَمَّا
[ ص: 23 ] قَوْلُهُمُ : الْمَوْزُونُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ أَوْ صُوَرٌ مَخْلُوقَةٌ عَلَى حَسَبِ مَقَادِيرِ الْأَعْمَالِ ، فَنَقُولُ : الْمُكَلَّفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِأَنَّهُ تَعَالَى عَادِلٌ حَكِيمٌ أَوْ لَا يَكُونَ مُقِرًّا بِذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِذَلِكَ ، فَحِينَئِذٍ كَفَاهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِمَقَادِيرِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي عِلْمِهِ بِأَنَّهُ عَدْلٌ وَصَوَابٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِذَلِكَ لَمْ يُعْرَفْ مِنْ رُجْحَانِ كِفَّةِ الْحَسَنَاتِ عَلَى كِفَّةِ السَّيِّئَاتِ أَوْ بِالْعَكْسِ حُصُولُ الرُّجْحَانِ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَعَالَى أَظْهَرَ ذَلِكَ الرُّجْحَانَ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ : فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْوَزْنَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ ، أَجَابَ الْأَوَّلُونَ وَقَالُوا : إِنَّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ يَعْلَمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30358وَالْفَائِدَةُ فِي وَضْعِ ذَلِكَ الْمِيزَانِ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الرُّجْحَانُ لِأَهْلِ الْقِيَامَةِ ، فَإِنْ كَانَ ظُهُورُ الرُّجْحَانِ فِي طَرَفِ الْحَسَنَاتِ ، ازْدَادَ فَرَحُهُ وَسُرُورُهُ بِسَبَبِ ظُهُورِ فَضْلِهِ وَكَمَالِ دَرَجَتِهِ لِأَهْلِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنْ كَانَ بِالضِّدِّ فَيَزْدَادُ غَمُّهُ وَحُزْنُهُ وَخَوْفُهُ وَفَضِيحَتُهُ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ .
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الرُّجْحَانِ ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ : يَظْهَرُ هُنَاكَ نُورٌ فِي رُجْحَانِ الْحَسَنَاتِ ، وَظُلْمَةٌ فِي رُجْحَانِ السَّيِّئَاتِ ، وَآخَرُونَ قَالُوا : بَلْ بِظُهُورِ رُجْحَانٍ فِي الْكِفَّةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْأَظْهَرُ إِثْبَاتُ مَوَازِينَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا مِيزَانٍ وَاحِدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) ( الْأَنْبِيَاءِ : 47 ) وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) وَعَلَى هَذَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ مِيزَانٌ ، وَلِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ مِيزَانٌ ، وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ مِيزَانٌ آخَرُ .
قَالَ
الزَّجَّاجُ : إِنَّمَا جَمَعَ اللَّهُ الْمَوَازِينَ هَهُنَا ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=8فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) وَلَمْ يَقُلْ : مِيزَانُهُ ؛ لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34080الْعَرَبَ قَدْ تُوقِعُ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ . فَيَقُولُونَ : خَرَجَ فُلَانٌ إِلَى
مَكَّةَ عَلَى الْبِغَالِ .
وَالثَّانِي : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30358الْمُرَادَ مِنَ الْمَوَازِينِ هَهُنَا جَمْعُ مَوْزُونٍ لَا جَمْعُ مِيزَانٍ وَأَرَادَ بِالْمَوَازِينِ الْأَعْمَالَ الْمَوْزُونَةَ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَانِ الْوَجْهَانِ يُوجِبَانِ الْعُدُولَ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا مَانِعَ هَهُنَا مِنْهُ فَوَجَبَ إِجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَكَمَا لَمْ يَمْتَنِعْ إِثْبَاتُ مِيزَانٍ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ مَوَازِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَمَا الْمُوجِبُ لِتَرْكِ الظَّاهِرِ وَالْمَصِيرِ إِلَى التَّأْوِيلِ ؟