ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28973_5421قال تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال النحويون " كان " كلمة تستعمل على وجوه :
أحدها : أن تكون بمنزلة حدث ووقع ، وذلك في قوله : قد كان الأمر ، أي وجد ، وحينئذ لا يحتاج إلى خبر .
والثاني : أن يخلع منه معنى الحدث ، فتبقى الكلمة مجردة للزمان ، وحينئذ يحتاج إلى الخبر ، وذلك كقوله : كان زيد ذاهبا .
واعلم أني حين كنت مقيما
بخوارزم ، وكان هناك جمع من أكابر الأدباء ، أوردت عليهم إشكالا في هذا الباب ، فقلت : إنكم تقولون إن " كان " إذا كانت ناقصة إنها تكون فعلا وهذا محال ؛ لأن الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان ، فقولك " كان " يدل على حصول معنى الكون في الزمان الماضي ، وإذا أفاد هذا المعنى كانت تامة لا ناقصة ، فهذا الدليل يقتضي أنها إن كانت فعلا كانت تامة لا ناقصة ، وإن لم تكن تامة لم تكن فعلا البتة بل كانت حرفا ، وأنتم تنكرون ذلك ، فبقوا في هذا الإشكال زمانا طويلا ، وصنفوا في الجواب عنه كتبا ، وما أفلحوا فيه ثم انكشف لي فيه سر أذكره ههنا وهو أن كان لا معنى له إلا حدث ووقع ووجد ، إلا أن قولك وجد وحدث على قسمين : أحدهما : أن يكون المعنى : وجد وحدث الشيء كقولك : وجد الجوهر وحدث العرض . والثاني : أن يكون المعنى : وجد وحدث موصوفية الشيء بالشيء ، فإذا قلت : كان زيد عالما فمعناه حدث في الزمان الماضي موصوفية زيد بالعلم ، والقسم الأول هو المسمى بكان التامة ، والقسم الثاني هو المسمى بالناقصة ، وفي الحقيقة فالمفهوم من " كان " في الموضعين هو الحدوث والوقوع ، إلا أن في القسم الأول المراد حدوث الشيء في نفسه ، فلا جرم كان الاسم الواحد كافيا ، والمراد في القسم الثاني حدوث موصوفية أحد الأمرين بالآخر ، فلا جرم لم يكن الاسم الواحد كافيا ، بل لا بد فيه من ذكر الاسمين
[ ص: 89 ] حتى يمكنه أن يشير إلى موصوفية أحدهما بالآخر ، وهذا من لطائف الأبحاث ، فأما إن قلنا إنه فعل كان دالا على وقوع المصدر في الزمان الماضي ، فحينئذ تكون تامة لا ناقصة ، وإن قلنا : إنه ليس بفعل بل حرف فكيف يدخل فيه الماضي والمستقبل والأمر ، وجميع خواص الأفعال ؟ وإذا حمل الأمر على ما قلناه تبين أنه فعل وزال الإشكال بالكلية .
المفهوم الثالث لكان : يكون بمعنى صار ، وأنشدوا :
بتيهاء قفر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
وعندي أن هذا اللفظ ههنا محمول على ما ذكرناه ، فإن معنى صار أنه حدث موصوفية الذات بهذه الصفة بعد أنها ما كانت موصوفة بذلك ، فيكون هنا بمعنى حدث ووقع ، إلا أنه حدوث مخصوص ، وهو أنه حدث موصوفية الذات بهذه الصفة بعد أن كان الحاصل موصوفية الذات بصفة أخرى .
المفهوم الرابع : أن تكون زائدة وأنشدوا :
سراة بني أبي بكر تساموا على كان المسومة الجياد
إذا عرفت هذه القاعدة فلنرجع إلى التفسير فنقول : في ( كان ) في هذه الآية وجهان : الأول : أنها بمعنى وقع وحدث ، والمعنى : وإن وجد ذو عسرة ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إلا أن تكون تجارة حاضرة ) [ البقرة : 282 ] بالرفع على معنى : وإن وقعت تجارة حاضرة ، ومقصود الآية إنما يصح على هذا اللفظ وذلك ؛ لأنه لو قيل : وإن كان ذا عسرة لكان المعنى : وإن كان المشتري ذا عسرة فنظرة ، فتكون النظرة مقصورة عليه ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن المشتري وغيره إذا كان ذا عسرة فله النظرة إلى الميسرة ، الثاني : أنها ناقصة على حذف الخبر ، تقديره وإن كان ذو عسرة غريما لكم ، وقرأ
عثمان ( ذا عسرة ) والتقدير : إن كان الغريم ذا عسرة ، وقرئ " ومن كان ذا عسرة " .
المسألة الثانية : العسرة اسم من الإعسار ، وهو تعذر الموجود من المال ؛ يقال : أعسر الرجل ، إذا صار إلى حالة العسرة ، وهي الحالة التي يتعسر فيها وجود المال .
ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28973_5421قَالَ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ النَّحْوِيُّونَ " كَانَ " كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عَلَى وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ حَدَثَ وَوَقَعَ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : قَدْ كَانَ الْأَمْرُ ، أَيْ وُجِدَ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَبَرٍ .
وَالثَّانِي : أَنْ يُخْلَعَ مِنْهُ مَعْنَى الْحَدَثِ ، فَتَبْقَى الْكَلِمَةُ مُجَرَّدَةً لِلزَّمَانِ ، وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إِلَى الْخَبَرِ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ : كَانَ زَيْدٌ ذَاهِبًا .
وَاعْلَمْ أَنِّي حِينَ كُنْتُ مُقِيمًا
بِخُوَارَزْمَ ، وَكَانَ هُنَاكَ جَمْعٌ مِنْ أَكَابِرِ الْأُدَبَاءِ ، أَوْرَدْتُ عَلَيْهِمْ إِشْكَالًا فِي هَذَا الْبَابِ ، فَقُلْتُ : إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ " كَانَ " إِذَا كَانَتْ نَاقِصَةً إِنَّهَا تَكُونُ فِعْلًا وَهَذَا مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَا دَلَّ عَلَى اقْتِرَانِ حَدَثٍ بِزَمَانٍ ، فَقَوْلُكَ " كَانَ " يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ مَعْنَى الْكَوْنِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي ، وَإِذَا أَفَادَ هَذَا الْمَعْنَى كَانَتْ تَامَّةً لَا نَاقِصَةً ، فَهَذَا الدَّلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فِعْلًا كَانَتْ تَامَّةً لَا نَاقِصَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَامَّةً لَمْ تَكُنْ فِعْلًا الْبَتَّةَ بَلْ كَانَتْ حَرْفًا ، وَأَنْتُمْ تُنْكِرُونَ ذَلِكَ ، فَبَقُوا فِي هَذَا الْإِشْكَالِ زَمَانًا طَوِيلًا ، وَصَنَّفُوا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ كُتُبًا ، وَمَا أَفْلَحُوا فِيهِ ثُمَّ انْكَشَفَ لِي فِيهِ سِرٌّ أَذْكُرُهُ هَهُنَا وَهُوَ أَنَّ كَانَ لَا مَعْنَى لَهُ إِلَّا حَدَثَ وَوَقَعَ وَوُجِدَ ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَكَ وُجِدَ وَحَدَثَ عَلَى قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وُجِدَ وَحَدَثَ الشَّيْءُ كَقَوْلِكَ : وُجِدَ الْجَوْهَرُ وَحَدَثَ الْعَرَضُ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وُجِدَ وَحَدَثَ مَوْصُوفِيَّةُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ ، فَإِذَا قُلْتَ : كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا فَمَعْنَاهُ حَدَثَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي مَوْصُوفِيَّةُ زَيْدٍ بِالْعِلْمِ ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُسَمَّى بَكَانِ التَّامَّةِ ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ الْمُسَمَّى بِالنَّاقِصَةِ ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ " كَانَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ الْحُدُوثُ وَالْوُقُوعُ ، إِلَّا أَنَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْمُرَادِ حُدُوثُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الِاسْمُ الْوَاحِدُ كَافِيًا ، وَالْمُرَادُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي حُدُوثُ مَوْصُوفِيَّةُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ ، فَلَا جَرَمَ لَمْ يَكُنِ الِاسْمُ الْوَاحِدُ كَافِيًا ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمَيْنِ
[ ص: 89 ] حَتَّى يُمْكِنَهُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَوْصُوفِيَّةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ الْأَبْحَاثِ ، فَأَمَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ فِعْلٌ كَانَ دَالًّا عَلَى وُقُوعِ الْمَصْدَرِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ تَامَّةً لَا نَاقِصَةً ، وَإِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ بَلْ حَرْفٌ فَكَيْفَ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ وَالْأَمْرُ ، وَجَمِيعُ خَوَاصِّ الْأَفْعَالِ ؟ وَإِذَا حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِعْلٌ وَزَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلِّيَّةِ .
الْمَفْهُومُ الثَّالِثُ لِكَانَ : يَكُونُ بِمَعْنَى صَارَ ، وَأَنْشَدُوا :
بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالْمَطِيُّ كَأَنَّهَا قَطَا الْحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخًا بُيُوضُهَا
وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ هَهُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَإِنَّ مَعْنَى صَارَ أَنَّهُ حَدَثَ مَوْصُوفِيَّةُ الذَّاتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَعْدَ أَنَّهَا مَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِذَلِكَ ، فَيَكُونُ هُنَا بِمَعْنَى حَدَثَ وَوَقَعَ ، إِلَّا أَنَّهُ حُدُوثٌ مَخْصُوصٌ ، وَهُوَ أَنَّهُ حَدَثَ مَوْصُوفِيَّةُ الذَّاتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْحَاصِلُ مَوْصُوفِيَّةَ الذَّاتِ بِصِفَةٍ أُخْرَى .
الْمَفْهُومُ الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً وَأَنْشِدُوا :
سَرَاةُ بَنِي أَبِي بَكْرٍ تَسَامَوْا عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ الْجِيَادِ
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَلْنَرْجِعْ إِلَى التَّفْسِيرِ فَنَقُولُ : فِي ( كَانَ ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَجْهَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا بِمَعْنَى وَقَعَ وَحَدَثَ ، وَالْمَعْنَى : وَإِنْ وُجِدَ ذُو عُسْرَةٍ ، وَنَظِيرُهَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 282 ] بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى : وَإِنْ وَقَعَتْ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ ، وَمَقْصُودُ الْآيَةِ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ : وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ لَكَانَ الْمَعْنَى : وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ذَا عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ ، فَتَكُونُ النَّظِرَةُ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَغَيْرَهُ إِذَا كَانَ ذَا عُسْرَةٍ فَلَهُ النَّظِرَةُ إِلَى الْمَيْسَرَةِ ، الثَّانِي : أَنَّهَا نَاقِصَةٌ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ ، تَقْدِيرُهُ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ غَرِيمًا لَكُمْ ، وَقَرَأَ
عُثْمَانُ ( ذَا عُسْرَةٍ ) وَالتَّقْدِيرُ : إِنْ كَانَ الْغَرِيمُ ذَا عُسْرَةٍ ، وَقُرِئَ " وَمَنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْعُسْرَةُ اسْمٌ مِنَ الْإِعْسَارِ ، وَهُوَ تَعَذُّرُ الْمَوْجُودِ مِنَ الْمَالِ ؛ يُقَالُ : أَعْسَرَ الرَّجُلُ ، إِذَا صَارَ إِلَى حَالَةِ الْعُسْرَةِ ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَتَعَسَّرُ فِيهَا وُجُودُ الْمَالِ .