فصل
في
nindex.php?page=treesubj&link=1251هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل
قد اختلف السلف والخلف في أنه : هل كان فرضا عليه أم لا ؟ والطائفتان احتجوا بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) [ الإسراء : 79 ] قالوا : فهذا صريح في عدم الوجوب ، قال الآخرون : أمره بالتهجد في هذه السورة ، كما أمره في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1ياأيها المزمل nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قم الليل إلا قليلا ) [ المزمل : 1 ، 2] . ولم
[ ص: 312 ] يجئ ما ينسخه عنه ، وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79نافلة لك ) . فلو كان المراد به التطوع ، لم يخصه بكونه نافلة له ، وإنما المراد بالنافلة الزيادة ، ومطلق الزيادة لا يدل على التطوع ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=72ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ) [ الأنبياء : 72 ] ، أي : زيادة على الولد ، وكذلك النافلة في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في درجاته ، وفي أجره ، ولهذا خصه بها ، فإن قيام الليل في حق غيره مباح ، ومكفر للسيئات ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب ، وغيره يعمل في التكفير .
قال
مجاهد : إنما كان نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكانت طاعته نافلة ، أي : زيادة في الثواب ، ولغيره كفارة لذنوبه ، قال
ابن المنذر في تفسيره : حدثنا
يعلى بن أبي عبيد ، حدثنا
الحجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456عبد الله بن كثير ، عن
مجاهد قال : ما سوى المكتوبة ، فهو نافلة من أجل أنه لا يعمل في كفارة الذنوب ، وليست للناس نوافل ، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، والناس جميعا يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر ، حدثنا
عبد الله ، حدثنا
عمرو ، عن
سعيد وقبيصة ، عن
سفيان ، عن
أبي عثمان ، عن
الحسن في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) . قال : ( لا تكون نافلة الليل إلا للنبي صلى الله عليه وسلم )
وذكر عن
الضحاك ، قال : نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
وذكر
سليم بن حيان ، حدثنا أبو
غالب ، حدثنا
أبو أمامة ، قال : إذا وضعت الطهور مواضعه ، قمت مغفورا لك ، فإن قمت تصلي ، كانت لك فضيلة وأجرا ، فقال رجل : يا
أبا أمامة ، أرأيت إن قام يصلي تكون له نافلة ؟ قال : لا ، إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يكون له نافلة ، وهو يسعى في الذنوب والخطايا ؟! تكون له
[ ص: 313 ] فضيلة وأجرا )
قلت : والمقصود أن النافلة في الآية ، لم يرد بها ما يجوز فعله وتركه ، كالمستحب ، والمندوب ، وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات ، وهذا قدر مشترك بين الفرض والمستحب ، فلا يكون قوله : ( نافلة لك ) نافيا لما دل عليه الأمر من الوجوب ، وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة إن شاء الله تعالى ، عند ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم .
nindex.php?page=treesubj&link=1251_1257ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا ، وكان إذا غلبه نوم أو وجع ، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة . فسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=13027شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : في هذا دليل على أن الوتر لا يقضى لفوات محله ، فهو كتحية المسجد ، وصلاة الكسوف والاستسقاء ونحوها ، لأن المقصود به أن يكون آخر صلاة الليل وترا ، كما أن المغرب آخر صلاة النهار ، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح ، لم يقع الوتر موقعه . هذا معنى كلامه .
وقد روى
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث أبي
nindex.php?page=showalam&ids=44سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000437من نام عن الوتر أو نسيه ، فليصله إذا أصبح أو ذكر ) ولكن لهذا الحديث عدة علل .
أحدها : أنه من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف .
[ ص: 314 ] الثاني : أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : هذا أصح ، يعني المرسل .
الثالث : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه حكى عن
nindex.php?page=showalam&ids=14327محمد بن يحيى بعد أن روى حديث
أبي سعيد : الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000438أوتروا قبل أن تصبحوا ) . قال : فهذا الحديث دليل على أن حديث
عبد الرحمن واه .
nindex.php?page=treesubj&link=1254وكان قيامه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، فإنه ثبت عنهما هذا وهذا ، ففي "الصحيحين" عنها : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000439ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ) .
وفي "الصحيحين" عنها أيضا ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000440كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ، يوتر من ذلك بخمس ، لا يجلس في شيء إلا في آخرهن ) .
والصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الأول : والركعتان فوق الإحدى عشرة هما ركعتا الفجر جاء ذلك مبينا عنها في هذا الحديث بعينه ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000441كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ثلاث [ ص: 315 ] عشرة ركعة بركعتي الفجر ) ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في "صحيحه" . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في هذا الحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000442كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين ) . وفي "الصحيحين" عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها تقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000443كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ، ويوتر بسجدة ، ويركع ركعتي الفجر ، وذلك ثلاث عشرة ركعة ) فهذا مفسر مبين .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقد اختلف عليه ، ففي "الصحيحين" عن
nindex.php?page=showalam&ids=11969أبي جمرة عنه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000444كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة يعني بالليل ) . لكن قد جاء عنه هذا مفسرا أنها بركعتي الفجر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000445عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ، فقالا : ( ثلاث عشرة ركعة ، منها ثمان ، ويوتر بثلاث ، وركعتين قبل صلاة الفجر ) .
وفي "الصحيحين" عن
كريب عنه ، في قصة مبيته عند خالته
nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة بنت الحارث ، أنه صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000446صلى ثلاث عشرة ركعة ، ثم نام حتى نفخ ، فلما تبين له الفجر ، صلى ركعتين خفيفتين ) . وفي لفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000447فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن . فقام فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج يصلي الصبح )
[ ص: 316 ] فقد حصل الاتفاق على إحدى عشرة ركعة .
واختلف في الركعتين الأخيرتين : هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما؟ فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان يحافظ عليها ، جاء مجموع ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة ، كان يحافظ عليها دائما سبعة عشر فرضا ، وعشر ركعات ، أو ثنتا عشرة سنة راتبة ، وإحدى عشرة ، أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل ، والمجموع أربعون ركعة ، وما زاد على ذلك فعارض غير راتب ، كصلاة الفتح ثمان ركعات ، وصلاة الضحى إذا قدم من سفر ، وصلاته عند من يزوره وتحية المسجد ونحو ذلك ، فينبغي للعبد أن يواظب على هذا الورد دائما إلى الممات ، فما أسرع
[ ص: 317 ] الإجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كل يوم وليلة أربعين مرة . والله المستعان .
فَصْلٌ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1251هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ
قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي أَنَّهُ : هَلْ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ أَمْ لَا ؟ وَالطَّائِفَتَانِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ) [ الْإِسْرَاءِ : 79 ] قَالُوا : فَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ ، قَالَ الْآخَرُونَ : أَمَرَهُ بِالتَّهَجُّدِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، كَمَا أَمَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=1يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ) [ الْمُزَّمِّلِ : 1 ، 2] . وَلَمْ
[ ص: 312 ] يَجِئْ مَا يَنْسَخُهُ عَنْهُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79نَافِلَةً لَكَ ) . فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ التَّطَوُّعَ ، لَمْ يَخُصُّهُ بِكَوْنِهِ نَافِلَةً لَهُ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالنَّافِلَةِ الزِّيَادَةُ ، وَمُطْلَقُ الزِّيَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّطَوُّعِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=72وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 72 ] ، أَيْ : زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ ، وَكَذَلِكَ النَّافِلَةُ فِي تَهَجُّدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَةٌ فِي دَرَجَاتِهِ ، وَفِي أَجْرِهِ ، وَلِهَذَا خَصَّهُ بِهَا ، فَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مُبَاحٌ ، وَمُكَفِّرٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَهُوَ يَعْمَلُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ وَعُلُوِّ الْمَرَاتِبِ ، وَغَيْرُهُ يَعْمَلُ فِي التَّكْفِيرِ .
قَالَ
مجاهد : إِنَّمَا كَانَ نَافِلَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَكَانَتْ طَاعَتُهُ نَافِلَةً ، أَيْ : زِيَادَةً فِي الثَّوَابِ ، وَلِغَيْرِهِ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ ، قَالَ
ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ : حَدَّثَنَا
يعلى بن أبي عبيد ، حَدَّثَنَا
الحجاج ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16456عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ ، عَنْ
مجاهد قَالَ : مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ ، فَهُوَ نَافِلَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ ، وَلَيْسَتْ لِلنَّاسِ نَوَافِلُ ، إِنَّمَا هِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ، وَالنَّاسُ جَمِيعًا يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَةِ لِذُنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَتِهَا .
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا
عبد الله ، حَدَّثَنَا
عمرو ، عَنْ
سعيد وقبيصة ، عَنْ
سفيان ، عَنْ
أبي عثمان ، عَنِ
الحسن فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ ) . قَالَ : ( لَا تَكُونُ نَافِلَةُ اللَّيْلِ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
وَذُكِرَ عَنِ
الضحاك ، قَالَ : نَافِلَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً .
وَذَكَرَ
سليم بن حيان ، حَدَّثَنَا أَبُو
غالب ، حَدَّثَنَا
أبو أمامة ، قَالَ : إِذَا وَضَعْتَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ ، قُمْتَ مَغْفُورًا لَكَ ، فَإِنْ قُمْتَ تُصَلِّي ، كَانَتْ لَكَ فَضِيلَةً وَأَجْرًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا
أبا أمامة ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَ يُصَلِّي تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً ؟ قَالَ : لَا ، إِنَّمَا النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ نَافِلَةً ، وَهُوَ يَسْعَى فِي الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا ؟! تَكُونُ لَهُ
[ ص: 313 ] فَضِيلَةً وَأَجْرًا )
قُلْتُ : وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّافِلَةَ فِي الْآيَةِ ، لَمْ يُرَدْ بِهَا مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ ، كَالْمُسْتَحَبِّ ، وَالْمَنْدُوبِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الزِّيَادَةُ فِي الدَّرَجَاتِ ، وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْمُسْتَحَبِّ ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ : ( نَافِلَةً لَكَ ) نَافِيًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنَ الْوُجُوبِ ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، عِنْدَ ذِكْرِ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
nindex.php?page=treesubj&link=1251_1257وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ قِيَامَ اللَّيْلِ حَضَرًا وَلَا سَفَرًا ، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً . فَسَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=13027شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ : فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَا يُقْضَى لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ، فَهُوَ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهَا ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا ، كَمَا أَنَّ الْمَغْرِبَ آخِرُ صَلَاةِ النَّهَارِ ، فَإِذَا انْقَضَى اللَّيْلُ وَصَلَّيْتَ الصُّبْحَ ، لَمْ يَقَعِ الْوِتْرُ مَوْقِعَهُ . هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ .
وَقَدْ رَوَى
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي
nindex.php?page=showalam&ids=44سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000437مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ ، فَلْيُصَلِّهِ إِذَا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَ ) وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيثِ عِدَّةُ عِلَلٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16327عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
[ ص: 314 ] الثَّانِي : أَنَّ الصَّحِيحَ فِيهِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لَهُ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : هَذَا أَصَحُّ ، يَعْنِي الْمُرْسَلَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنَ مَاجَهْ حَكَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14327مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ
أبي سعيد : الصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000438أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا ) . قَالَ : فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ
عبد الرحمن وَاهٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=1254وَكَانَ قِيَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُمَا هَذَا وَهَذَا ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْهَا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000439مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ) .
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْهَا أَيْضًا ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000440كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ ) .
وَالصَّحِيحُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الْأَوَّلُ : وَالرَّكْعَتَانِ فَوْقَ الْإِحْدَى عَشْرَةَ هُمَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000441كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ثَلَاثَ [ ص: 315 ] عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ) ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم فِي "صَحِيحِهِ" . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000442كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) . وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000443كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ، وَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ) فَهَذَا مُفَسَّرٌ مُبَيَّنٌ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11969أَبِي جَمْرَةَ عَنْهُ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000444كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ ) . لَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ هَذَا مُفَسَّرًا أَنَّهَا بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000445عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ ، فَقَالَا : ( ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، مِنْهَا ثَمَانٍ ، وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ) .
وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ
كريب عَنْهُ ، فِي قِصَّةِ مَبِيتِهِ عِنْدَ خَالَتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة بنت الحارث ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000446صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) . وَفِي لَفْظٍ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000447فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ . فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجَ يُصَلِّي الصُّبْحَ )
[ ص: 316 ] فَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً .
وَاخْتُلِفَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ : هَلْ هُمَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَوْ هُمَا غَيْرُهُمَا؟ فَإِذَا انْضَافَ ذَلِكَ إِلَى عَدَدِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ الَّتِي كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا ، جَاءَ مَجْمُوعُ وِرْدِهِ الرَّاتِبِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً ، كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا دَائِمًا سَبْعَةَ عَشَرَ فَرْضًا ، وَعَشْرُ رَكَعَاتٍ ، أَوْ ثِنْتَا عَشْرَةَ سُنَّةً رَاتِبَةً ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ ، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ ، وَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعُونَ رَكْعَةً ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَعَارِضٌ غَيْرُ رَاتِبٍ ، كَصَلَاةِ الْفَتْحِ ثَمَانَ رَكَعَاتٍ ، وَصَلَاةِ الضُّحَى إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ، وَصِلَاتِهِ عِنْدَ مَنْ يَزُورُهُ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى هَذَا الْوِرْدِ دَائِمًا إِلَى الْمَمَاتِ ، فَمَا أَسْرَعَ
[ ص: 317 ] الْإِجَابَةَ وَأَعْجَلَ فَتْحَ الْبَابِ لِمَنْ يَقْرَعُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَرْبَعِينَ مَرَّةً . وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .