فصل
في
nindex.php?page=treesubj&link=29336غزوة حنين وتسمى غزوة
أوطاس
وهما موضعان بين
مكة والطائف ، فسميت الغزوة باسم مكانها ، وتسمى غزوة
هوازن ، لأنهم الذين أتوا لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : ولما سمعت
هوازن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما فتح الله عليه من
مكة ، جمعها
مالك بن عوف النصري ، واجتمع إليه مع
هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت إليه
مضر وجشم كلها ،
وسعد بن بكر ، وناس من
بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من
قيس عيلان إلا هؤلاء ، ولم يحضرها من
هوازن كعب ، ولا
[ ص: 409 ] كلاب ، وفي
جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه إلا رأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شجاعا مجربا ، وفي
ثقيف سيدان لهم ، وفي الأحلاف
قارب بن الأسود ، وفي
بني مالك سبيع بن الحارث وأخوه
أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى
مالك بن عوف النصري ، فلما أجمع السير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل
بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم
دريد بن الصمة ، فلما نزل قال : بأي واد أنتم ؟ قالوا :
بأوطاس . قال : نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصبي ، ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق
مالك بن عوف مع الناس نساءهم وأموالهم وأبناءهم . قال : أين
مالك ؟ قيل هذا
مالك ، ودعي له . قال يا
مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ؟ ، قال : سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم . قال : ولم ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم . فقال : راعي ضأن والله ، وهل يرد المنهزم شيء ، إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال : ما فعلت
كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها أحد منهم .
قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه
كعب ولا
كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت
كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ؟ قالوا :
عمرو بن عامر ،
وعوف بن عامر ؟ قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران . يا
مالك : إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة
هوازن [ ص: 410 ] إلى نحور الخيل شيئا ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم ، وعليا قومهم ، ثم الق الصباة على متون الخيل ، فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، إن كانت عليك ألفاك ذلك ، وقد أحرزت أهلك ومالك . قال : والله لا أفعل ، إنك قد كبرت ، وكبر عقلك ، والله لتطيعنني يا معشر
هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ، وكره أن يكون
لدريد فيها ذكر ورأي ، فقالوا : أطعناك ، فقال
دريد : هذا يوم لم أشهده ولم يفتني .
يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع
كأنها شاة صدع
ثم قال
مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد ، وبعث عيونا من رجاله فأتوه ، وقد تفرقت أوصالهم ، قال : ويلكم ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق ، والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .
ولما سمع بهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليهم
عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم ، فانطلق
ابن أبي حدرد فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد جمعوا له من حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسمع من
مالك وأمر
هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره الخبر .
فلما أجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السير إلى
هوازن ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002202ذكر له أن عند nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك ، فقال : ( يا أبا أمية أعرنا سلاحك [ ص: 411 ] هذا نلقى فيه عدونا غدا ، فقال صفوان : أغصبا يا محمد ؟ قال : " بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك " ، فقال : ليس بهذا بأس ، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل ) .
ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه ألفان من
أهل مكة ، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم
مكة ، وكانوا اثني عشر ألفا ، واستعمل
عتاب بن أسيد على
مكة أميرا ، ثم مضى يريد لقاء
هوازن .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : فحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16276عاصم بن عمر بن قتادة ، عن
عبد الرحمن بن جابر ، عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، قال : لما استقبلنا
وادي حنين ، انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحدارا . قال : وفي عماية الصبح ، وكان القوم سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه قد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا - ونحن منحطون - إلا الكتائب ، قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد منهم على أحد ، وانحاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات اليمين ، ثم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002203إلى أين أيها الناس ؟ هلم إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ) وبقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفر من
المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وفيمن ثبت معه من
المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته
علي والعباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث وابنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=69والفضل بن العباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15886وربيعة بن الحارث ،
nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد ،
وأيمن ابن أم أيمن ، وقتل يومئذ .
قال : ورجل من
هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام
هوازن ،
وهوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه ، فبينا هو كذلك
[ ص: 412 ] إذ أهوى عليه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ورجل من
الأنصار يريدانه ، قال : فأتى
علي من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال : فاجتلد الناس . قال : فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق :
nindex.php?page=treesubj&link=30812ولما انهزم المسلمون ورأى من كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ، وصرخ
جبلة بن الحنبل - وقال
ابن هشام : صوابه كلدة - ألا بطل السحر اليوم ، فقال له
صفوان أخوه لأمه وكان بعد مشركا : اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من
قريش ، أحب إلي من أن يربني رجل من
هوازن .
وذكر
ابن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=4137شيبة بن عثمان الحجبي ، قال :
nindex.php?page=treesubj&link=30809لما كان عام الفتح ، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة ، قلت : أسير مع قريش إلى هوازن بحنين ، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من
محمد غرة فأثأر منه ، فأكون أنا الذي قمت بثأر
قريش كلها ، وأقول : لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع
محمدا ، ما تبعته أبدا ، وكنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة ، فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته فأصلت السيف ، فدنوت أريد ما أريد منه ، ورفعت سيفي حتى كدت أشعره إياه ، فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد يمحشني ، فوضعت يدي على بصري خوفا عليه ، فالتفت إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فناداني : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002204يا شيب ادن مني " فدنوت منه فمسح صدري ، ثم قال : " اللهم أعذه من الشيطان " قال : فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من [ ص: 413 ] سمعي وبصري ونفسي ، وأذهب الله ما كان في نفسي ، ثم قال " ادن فقاتل ) فتقدمت أمامه أضرب بسيفي ، الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ، ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حيا ، لأوقعت به السيف ، فجعلت ألزمه فيمن لزمه ، حتى تراجع المسلمون ، فكروا كرة رجل واحد ، وقربت بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستوى عليها ، وخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه ، ورجع إلى معسكره فدخل خباءه ، فدخلت عليه ما دخل عليه أحد غيري حبا لرؤية وجهه ، وسرورا به ، فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002205يا شيب الذي أراد الله بك خير مما أردت لنفسك " ، ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي ما لم أكن أذكره لأحد قط ، قال فقلت : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قلت : استغفر لي . فقال " غفر الله لك ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=347كثير بن العباس ، عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب ، قال : إني لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، وكنت امرءا جسيما ، شديد الصوت ، قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رأى ما رأى من الناس : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002206إلى أين أيها الناس ؟ " قال : فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال : " يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار ، يا معشر أصحاب السمرة " ، فأجابوا : لبيك لبيك ) قال : فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ذلك ، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ، ويأخذ سيفه وقوسه وترسه ، ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، فكانت الدعوة أول ما كانت : يا
للأنصار ، ثم خلصت آخرا : يا
للخزرج ، وكانوا صبرا عند الحرب ، فأشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ركائبه ، فنظر إلى مجتلد القوم ، وهم يجتلدون فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002207الآن حمي الوطيس ) وزاد غيره .
[ ص: 414 ] أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وفي " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002208ثم nindex.php?page=treesubj&link=30813أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بها في وجوه الكفار ، ثم قال : ( انهزموا ورب محمد ) فما هو إلا أن رماهم ، فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا .
وفي لفظ له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002209إنه نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب الأرض ، ثم استقبل بها وجوههم ، وقال : ( شاهت الوجوه ) ، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة ، فولوا مدبرين .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم ، قال : لقد رأيت - قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون يوم
حنين - مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، فلم يكن إلا هزيمة القوم ، فلم أشك أنها الملائكة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : ولما انهزم المشركون أتوا
الطائف ، ومعهم
مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم
بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو
نخلة ، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آثار من توجه قبل
أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال ، فرمي بسهم فقتل ، فأخذ الراية
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ، وهو ابن أخيه ، فقاتلهم ففتح الله عليه فهزمهم الله ، وقتل قاتل
أبي عامر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002210اللهم اغفر لعبيد أبي عامر وأهله ، واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك ) ، واستغفر
لأبي موسى .
[ ص: 415 ] ومضى
مالك بن عوف حتى تحصن بحصن
ثقيف ،
nindex.php?page=treesubj&link=30814وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسبي والغنائم أن تجمع ، فجمع ذلك كله ، ووجهوه إلى
الجعرانة ، وكان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل أربعة وعشرين ألفا ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة ، فاستأنى بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقدموا عليه مسلمين بضع عشرة ليلة .
فَصْلٌ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29336غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَتُسَمَّى غَزْوَةَ
أَوْطَاسٍ
وَهُمَا مَوْضِعَانِ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، فَسُمِّيَتِ الْغَزْوَةُ بِاسْمِ مَكَانِهَا ، وَتُسَمَّى غَزْوَةَ
هَوَازِنَ ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَتَوْا لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : وَلَمَّا سَمِعَتْ
هَوَازِنُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ
مَكَّةَ ، جَمَعَهَا
مالك بن عوف النصري ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مَعَ
هَوَازِنَ ثَقِيفٌ كُلُّهَا ، وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ
مُضَرُ وَجُشَمُ كُلُّهَا ،
وسعد بن بكر ، وَنَاسٌ مِنْ
بَنِي هِلَالٍ ، وَهُمْ قَلِيلٌ ، وَلَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ
قَيْسِ عَيْلَانَ إِلَّا هَؤُلَاءِ ، وَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ
هَوَازِنَ كَعْبٌ ، وَلَا
[ ص: 409 ] كِلَابٌ ، وَفِي
جُشَمَ دريد بن الصمة شَيْخٌ كَبِيرٌ ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا رَأْيُهُ وَمُعْرِفَتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَكَانَ شُجَاعًا مُجَرِّبًا ، وَفِي
ثَقِيفٍ سَيِّدَانِ لَهُمْ ، وَفِي الْأَحْلَافِ
قارب بن الأسود ، وَفِي
بَنِي مَالِكٍ سبيع بن الحارث وَأَخُوهُ
أحمر بن الحارث ، وَجِمَاعُ أَمْرِ النَّاسِ إِلَى
مالك بن عوف النصري ، فَلَمَّا أَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ مَعَ النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ ، فَلَمَّا نَزَلَ
بِأَوْطَاسٍ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَفِيهِمْ
دريد بن الصمة ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : بِأَيِّ وَادٍ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا :
بِأَوْطَاسٍ . قَالَ : نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ لَا حَزْنٌ ضِرْسٌ وَلَا سَهْلٌ دَهْسٌ ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ ، وَبُكَاءَ الصَّبِيِّ ، وَيُعَارَ الشَّاءِ ؟ قَالُوا : سَاقَ
مالك بن عوف مَعَ النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ . قَالَ : أَيْنَ
مالك ؟ قِيلَ هَذَا
مالك ، وَدُعِيَ لَهُ . قَالَ يَا
مالك إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ رَئِيسَ قَوْمِكَ ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ كَائِنٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَيَّامِ ، مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ ، وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ ، وَبُكَاءَ الصَّغِيرِ ، وَيُعَارَ الشَّاءِ ؟ ، قَالَ : سُقْتُ مَعَ النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ . قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلِّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْهُمْ . فَقَالَ : رَاعِي ضَأْنٍ وَاللَّهِ ، وَهَلْ يَرُدُّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ ، إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ لَكَ لَمْ يَنْفَعْكَ إِلَّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ فُضِحْتَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، ثُمَّ قَالَ : مَا فَعَلَتْ
كَعْبٌ وَكِلَابٌ ؟ قَالُوا : لَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ .
قَالَ : غَابَ الْحَدُّ وَالْجِدُّ ، لَوْ كَانَ يَوْمَ عَلَاءٍ وَرِفْعَةٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ
كَعْبٌ وَلَا
كِلَابٌ ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلَتْ
كَعْبٌ وَكِلَابٌ ، فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ ؟ قَالُوا :
عمرو بن عامر ،
وعوف بن عامر ؟ قَالَ : ذَانِكَ الْجَذَعَانِ مِنْ عَامِرٍ ، لَا يَنْفَعَانِ وَلَا يَضُرَّانِ . يَا
مالك : إِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ الْبَيْضَةِ بَيْضَةِ
هَوَازِنَ [ ص: 410 ] إِلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا ، ارْفَعْهُمْ إِلَى مُتَمَنَّعِ بِلَادِهِمْ ، وَعُلْيَا قَوْمِهِمْ ، ثُمَّ الْقَ الصُّبَاةَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ لَحِقَ بِكَ مَنْ وَرَاءَكَ ، إِنْ كَانَتْ عَلَيْكَ أَلْفَاكَ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَحْرَزْتَ أَهْلَكَ وَمَالَكَ . قَالَ : وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ ، إِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ ، وَكَبِرَ عَقْلُكَ ، وَاللَّهِ لَتُطِيعُنَّنِي يَا مَعْشَرَ
هَوَازِنَ ، أَوْ لَأَتَّكِئَنَّ عَلَى هَذَا السَّيْفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي ، وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ
لدريد فِيهَا ذِكْرٌ وَرَأْيٌ ، فَقَالُوا : أَطَعْنَاكَ ، فَقَالَ
دريد : هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ يَفُتْنِي .
يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ أَخُبُّ فِيهَا وَأَضَعْ أَقُودُ وَطْفَاءَ الزَّمَعْ
كَأَنَّهَا شَاةٌ صَدَعْ
ثُمَّ قَالَ
مالك لِلنَّاسِ : إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ ، ثُمَّ شُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَبَعَثَ عُيُونًا مِنْ رِجَالِهِ فَأَتَوْهُ ، وَقَدْ تَفَرَّقَتْ أَوْصَالُهُمْ ، قَالَ : وَيْلَكُمْ مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ ، وَاللَّهِ مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا تَرَى ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ أَنْ مَضَى عَلَى مَا يُرِيدُ .
وَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَيْهِمْ
عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي النَّاسِ ، فَيُقِيمَ فِيهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ عِلْمَهُمْ ، ثُمَّ يَأْتِيَهُ بِخَبَرِهِمْ ، فَانْطَلَقَ
ابن أبي حدرد فَدَخَلَ فِيهِمْ حَتَّى سَمِعَ وَعَلِمَ مَا قَدْ جَمَعُوا لَهُ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَسَمِعَ مِنْ
مالك وَأَمْرِ
هَوَازِنَ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ .
فَلَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّيْرَ إِلَى
هَوَازِنَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002202ذُكِرَ لَهُ أَنَّ عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=90صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرَاعًا وَسِلَاحًا ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ ، فَقَالَ : ( يَا أبا أمية أَعِرْنَا سِلَاحَكَ [ ص: 411 ] هَذَا نَلْقَى فِيهِ عَدُوَّنَا غَدًا ، فَقَالَ صفوان : أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ ؟ قَالَ : " بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ حَتَّى نُؤَدِّيَهَا إِلَيْكَ " ، فَقَالَ : لَيْسَ بِهَذَا بَأْسٌ ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِمَا يَكْفِيهَا مِنَ السِّلَاحِ ، فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ أَنْ يَكْفِيَهُمْ حَمْلَهَا ، فَفَعَلَ ) .
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ أَلْفَانِ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ ، مَعَ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ ، فَفَتَحَ اللَّهُ بِهِمْ
مَكَّةَ ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ، وَاسْتَعْمَلَ
عتاب بن أسيد عَلَى
مَكَّةَ أَمِيرًا ، ثُمَّ مَضَى يُرِيدُ لِقَاءَ
هَوَازِنَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16276عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ
عبد الرحمن بن جابر ، عَنْ أَبِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : لَمَّا اسْتَقْبَلْنَا
وَادِيَ حُنَيْنٍ ، انْحَدَرْنَا فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ أَجْوَفَ حَطُوطٍ ، إِنَّمَا نَنْحَدِرُ فِيهِ انْحِدَارًا . قَالَ : وَفِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ ، وَكَانَ الْقَوْمُ سَبَقُونَا إِلَى الْوَادِي ، فَكَمَنُوا لَنَا فِي شِعَابِهِ وَأَحْنَائِهِ وَمَضَايِقِهِ قَدْ أَجْمَعُوا وَتَهَيَّئُوا وَأَعَدُّوا ، فَوَاللَّهِ مَا رَاعَنَا - وَنَحْنُ مُنْحَطُّونَ - إِلَّا الْكَتَائِبُ ، قَدْ شَدُّوا عَلَيْنَا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَانْشَمَرَ النَّاسُ رَاجِعِينَ ، لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ ، وَانْحَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ الْيَمِينِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002203إِلَى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ ؟ هَلُمَّ إِلَيَّ ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ) وَبَقِيَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَرٌ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَفِيمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ أبو بكر وعمر ، وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ
علي والعباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=9809وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَابْنُهُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=69وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15886وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=111وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ،
وأيمن ابن أم أيمن ، وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ .
قَالَ : وَرَجُلٌ مِنْ
هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ ، بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ طَوِيلٍ أَمَامَ
هَوَازِنَ ،
وَهَوَازِنُ خَلْفَهُ إِذَا أَدْرَكَ طَعَنَ بِرُمْحِهِ ، وَإِذَا فَاتَهُ النَّاسُ رَفَعَ رُمْحَهُ لِمَنْ وَرَاءَهُ فَاتَّبَعُوهُ ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ
[ ص: 412 ] إِذْ أَهْوَى عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ يُرِيدَانِهِ ، قَالَ : فَأَتَى
علي مِنْ خَلْفِهِ ، فَضَرَبَ عُرْقُوبَيِ الْجَمَلِ ، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ ، وَوَثَبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى الرَّجُلِ ، فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً أَطَنَّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ ، فَانْجَعَفَ عَنْ رَحْلِهِ ، قَالَ : فَاجْتَلَدَ النَّاسُ . قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ النَّاسِ مِنْ هَزِيمَتِهِمْ حَتَّى وَجَدُوا الْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ :
nindex.php?page=treesubj&link=30812وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَرَأَى مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُفَاةِ أَهْلِ مَكَّةَ الْهَزِيمَةَ ، تَكَلَّمَ رِجَالٌ مِنْهُمْ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الضَّغْنِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ ، وَإِنَّ الْأَزْلَامَ لَمَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ ، وَصَرَخَ
جبلة بن الحنبل - وَقَالَ
ابن هشام : صَوَابُهُ كَلَدَةُ - أَلَا بَطَلَ السِّحْرُ الْيَوْمَ ، فَقَالَ لَهُ
صفوان أَخُوهُ لِأُمِّهِ وَكَانَ بَعْدُ مُشْرِكًا : اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ
هَوَازِنَ .
وَذَكَرَ
ابن سعد عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4137شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الْحَجَبِيِّ ، قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=30809لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَنْوَةً ، قُلْتُ : أَسِيرُ مَعَ قُرَيْشٍ إِلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ ، فَعَسَى إِنِ اخْتَلَطُوا أَنْ أُصِيبَ مِنْ
مُحَمَّدٍ غِرَّةً فَأَثْأَرَ مِنْهُ ، فَأَكُونَ أَنَا الَّذِي قُمْتُ بِثَأْرِ
قُرَيْشٍ كُلِّهَا ، وَأَقُولُ : لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ أَحَدٌ إِلَّا اتَّبَعَ
مُحَمَّدًا ، مَا تَبِعْتُهُ أَبَدًا ، وَكُنْتُ مُرْصِدًا لَمَّا خَرَجْتُ لَهُ لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ فِي نَفْسِي إِلَّا قُوَّةً ، فَلَمَّا اخْتَلَطَ النَّاسُ اقْتَحَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَغْلَتِهِ فَأَصْلَتَ السَّيْفَ ، فَدَنَوْتُ أُرِيدُ مَا أُرِيدُ مِنْهُ ، وَرَفَعْتُ سَيْفِي حَتَّى كِدْتُ أُشْعِرَهُ إِيَّاهُ ، فَرُفِعَ لِي شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ كَالْبَرْقِ كَادَ يَمْحَشُنِي ، فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى بَصَرِي خَوْفًا عَلَيْهِ ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَنَادَانِي : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002204يَا شيب ادْنُ مِنِّي " فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَمَسَحَ صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ " قَالَ : فَوَاللَّهِ لَهُوَ كَانَ سَاعَتَئِذٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ [ ص: 413 ] سَمْعِي وَبَصَرِي وَنَفْسِي ، وَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ فِي نَفْسِي ، ثُمَّ قَالَ " ادْنُ فَقَاتِلْ ) فَتَقَدَّمْتُ أَمَامَهُ أَضْرِبُ بِسَيْفِي ، اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ أَقِيَهُ بِنَفْسِي كُلَّ شَيْءٍ ، وَلَوْ لَقِيتُ تِلْكَ السَّاعَةَ أَبِي لَوْ كَانَ حَيًّا ، لَأَوْقَعْتُ بِهِ السَّيْفَ ، فَجَعَلْتُ أَلْزَمُهُ فِيمَنْ لَزِمَهُ ، حَتَّى تَرَاجَعَ الْمُسْلِمُونَ ، فَكَرُّوا كَرَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، وَقُرِّبَتْ بَغْلَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَوَى عَلَيْهَا ، وَخَرَجَ فِي أَثَرِهِمْ حَتَّى تَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ ، وَرَجَعَ إِلَى مُعَسْكَرِهِ فَدَخَلَ خِبَاءَهُ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي حُبًّا لِرُؤْيَةِ وَجْهِهِ ، وَسُرُورًا بِهِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002205يَا شيب الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرٌ مِمَّا أَرَدْتَ لِنَفْسِكَ " ، ثُمَّ حَدَّثَنِي بِكُلِّ مَا أَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي مَا لَمْ أَكُنْ أَذْكُرُهُ لِأَحَدٍ قَطُّ ، قَالَ فَقُلْتُ : فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ قُلْتُ : اسْتَغْفِرْ لِي . فَقَالَ " غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=347كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، عَنْ أَبِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ : إِنِّي لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخِذٌ بِحَكَمَةِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ قَدْ شَجَرْتُهَا بِهَا ، وَكُنْتُ امْرَءًا جَسِيمًا ، شَدِيدَ الصَّوْتِ ، قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ حَيْنَ رَأَى مَا رَأَى مِنَ النَّاسِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002206إِلَى أَيْنَ أَيُّهَا النَّاسُ ؟ " قَالَ : فَلَمْ أَرَ النَّاسَ يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ ، فَقَالَ : " يَا عباس اصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ السَّمُرَةِ " ، فَأَجَابُوا : لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ) قَالَ : فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ لِيُثْنِيَ بَعِيرَهُ ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ، فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيَقْذِفُهَا فِي عُنُقِهِ ، وَيَأْخُذُ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ وَتُرْسَهُ ، وَيَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ وَيَؤُمُّ الصَّوْتَ ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِائَةٌ ، اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ ، فَاقْتَتَلُوا ، فَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَتْ : يَا
لَلْأَنْصَارِ ، ثُمَّ خَلَصَتْ آخِرًا : يَا
لَلْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ ، فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَكَائِبِهِ ، فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ ، وَهُمْ يَجْتَلِدُونَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002207الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ ) وَزَادَ غَيْرُهُ .
[ ص: 414 ] أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبَ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
وَفِي " صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002208ثُمَّ nindex.php?page=treesubj&link=30813أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ ، ثُمَّ قَالَ : ( انْهَزَمُوا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ) فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَمَاهُمْ ، فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلًا ، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا .
وَفِي لَفْظٍ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002209إِنَّهُ نَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ ، ثُمَّ قَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهَا وُجُوهَهُمْ ، وَقَالَ : ( شَاهَتِ الْوُجُوهُ ) ، فَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَيْهِ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ .
وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=67جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ - قَبْلَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ يَوْمَ
حُنَيْنٍ - مِثْلَ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ ، أَقْبَلَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى سَقَطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا نَمْلٌ أَسْوَدُ مَبْثُوثٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ ، فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةَ الْقَوْمِ ، فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : وَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ أَتَوُا
الطَّائِفَ ، وَمَعَهُمْ
مالك بن عوف ، وَعَسْكَرَ بَعْضُهُمْ
بِأَوْطَاسٍ ، وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ
نَخْلَةَ ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آثَارِ مَنْ تَوَجَّهَ قِبَلَ
أَوْطَاسٍ أبا عامر الأشعري ، فَأَدْرَكَ مِنَ النَّاسِ بَعْضَ مَنِ انْهَزَمَ فَنَاوَشُوهُ الْقِتَالَ ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ ، فَأَخَذَ الرَّايَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ، وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ ، فَقَاتَلَهُمْ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ ، وَقَتَلَ قَاتِلَ
أبي عامر ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002210اللَّهُمَّ اغْفِرْ لعبيد أبي عامر وَأَهْلِهِ ، وَاجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ ) ، وَاسْتَغْفَرَ
لأبي موسى .
[ ص: 415 ] وَمَضَى
مالك بن عوف حَتَّى تَحَصَّنَ بِحِصْنِ
ثَقِيفٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30814وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّبْيِ وَالْغَنَائِمِ أَنْ تُجْمَعَ ، فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى
الْجِعِرَّانَةِ ، وَكَانَ السَّبْيُ سِتَّةَ آلَافِ رَأْسٍ ، وَالْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا ، وَالْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ ، وَأَرْبَعَةَ آلَافِ أُوقِيَّةً فِضَّةً ، فَاسْتَأْنَى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْدَمُوا عَلَيْهِ مُسْلِمِينَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .