[ ص: 265 ] ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33791عزل نصير الدين وزير الخليفة
كان
نصير الدين ناصر بن مهدي العلوي هذا من أهل الري من بيت كبير . فقدم
بغداد لما ملك
مؤيد الدين بن القصاب وزير الخليفة الري ، ولقي من الخليفة قبولا ، فجعله نائب الوزارة ، ثم جعله وزيرا وحكمه وجعل ابنه صاحب المخزن .
فلما كان في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة ، عزل وأغلق بابه وكان سبب عزله أنه أساء السيرة مع أكابر مماليك الخليفة ، فمنهم أمير الحاج
مظفر الدين سنقر المعروف بوجه السبع ، فإنه هرب من يده إلى
الشام سنة ثلاث وستمائة ، فارق الحاج بالمرخوم ، وأرسل يعتذر من هربه ويقول : إنني هربت من يد الوزير ; ثم أتبعه الأمير
جمال الدين قشتمر وهو أخص المماليك وآثرهم عنده ، ومضى إلى
لرستان وأرسل يعتذر ويقول : إن الوزير يريد أن لا يبقي في خدمة الخليفة أحدا من مماليكه . ولا شك أنه يريد أن يدعي الخلافة ، وقال الناس في ذلك فأكثروا وقالوا الشعر فمن ذلك قول بعضهم :
ألا مبلغ عني الخليفة أحمدا توق وقيت السوء ما أنت صانع وزيرك هذا بين أمرين فيهما
فعالك يا خير البرية ، ضائع فإن كان حقا من سلالة أحمد
فهذا وزير في الخلافة طامع وإن كان فيما يدعي غير صادق
فأضيع ما كانت لديه الصنائع
فعزله ، وقيل في سبب ذلك غيره ، ولما عزل أرسل إلى الخليفة يقول : إنني قدمت إلى هاهنا وليس لي دينار ولا درهم ، وقد حصل لي من الأموال والأعلاق النفيسة ، وغير ذلك ما يزيد على خمسة آلاف دينار ; ويسأل أن يؤخذ منه الجميع ويفرج عنه ويمكن من المقام بالمشهد أسوة ببعض العلويين .
[ ص: 266 ] فأجابه : إننا ما أنعمنا عليك بشيء فنوينا استعادته منك ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ، ونفسك في أمان الله وأماننا ، ولم يبلغنا عنك ما تستوجب به ذلك ، غير أن الأعداء قد أكثروا فيك ، فاختر لنفسك موضعا تنتقل إليه موفورا محترما .
فاختار أن يكون تحت الاستظهار من جانب الخليفة لئلا يتمكن منه العدو فتذهب نفسه ، ففعل به ذلك .
وكان حسن السيرة قريبا إلى الناس ، حسن اللقاء لهم والانبساط معهم ، عفيفا عن أموالهم ، غير ظالم لهم ، فلما قبض عاد أمير الحاج من
مصر وكان في الخدمة العادلية ، وعاد أيضا قشتمر ، وأقيم في النيابة في الوزارة
فخر الدين أبو البدر محمد بن أحمد بن أمسينا الواسطي إلا أنه لم يكن متحكما .
[ ص: 265 ] ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33791عَزْلِ نَصِيرِ الدِّينِ وَزِيرِ الْخَلِيفَةِ
كَانَ
نَصِيرُ الدِّينِ نَاصِرُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْعَلَوِيُّ هَذَا مِنْ أَهْلِ الرَّيِّ مَنْ بَيْتٍ كَبِيرٍ . فَقَدِمَ
بَغْدَادَ لَمَّا مَلَكَ
مُؤَيَّدُ الدِّينِ بْنُ الْقَصَّابِ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ الرَّيَّ ، وَلَقِيَ مِنَ الْخَلِيفَةِ قَبُولًا ، فَجَعَلَهُ نَائِبَ الْوِزَارَةِ ، ثُمَّ جَعَلَهُ وَزِيرًا وَحَكَّمَهُ وَجَعَلَ ابْنَهُ صَاحِبَ الْمَخْزَنِ .
فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، عُزِلَ وَأُغْلِقَ بَابُهُ وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّهُ أَسَاءَ السِّيرَةَ مَعَ أَكَابِرِ مَمَالِيكِ الْخَلِيفَةِ ، فَمِنْهُمْ أَمِيرُ الْحَاجِّ
مُظَفَّرُ الدِّينِ سُنْقُرُ الْمَعْرُوفُ بِوَجْهِ السَّبُعِ ، فَإِنَّهُ هَرَبَ مِنْ يَدِهِ إِلَى
الشَّامِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ ، فَارَقَ الْحَاجَّ بِالْمَرْخُومِ ، وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ مِنْ هَرَبِهِ وَيَقُولُ : إِنَّنِي هَرَبْتُ مِنْ يَدِ الْوَزِيرِ ; ثُمَّ أَتْبَعَهُ الْأَمِيرَ
جَمَالَ الدِّينِ قُشْتُمُرَ وَهُوَ أَخَصُّ الْمَمَالِيكِ وَآثَرُهُمْ عِنْدَهُ ، وَمَضَى إِلَى
لُرِسْتَانَ وَأَرْسَلَ يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ : إِنَّ الْوَزِيرَ يُرِيدُ أَنْ لَا يُبْقِيَ فِي خِدْمَةِ الْخَلِيفَةِ أَحَدًا مِنْ مَمَالِيكِهِ . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَدَّعِيَ الْخِلَافَةَ ، وَقَالَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَكْثَرُوا وَقَالُوا الشِّعْرَ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ :
أَلَا مُبْلِغٌ عَنِّي الْخَلِيفَةَ أَحْمَدًا تَوَقَّ وُقِيتَ السُّوءَ مَا أَنْتَ صَانِعُ وَزِيرُكُ هَذَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ فِيهِمَا
فَعَالُكَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ، ضَائِعُ فَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ سُلَالَةِ أَحْمَدٍ
فَهَذَا وَزِيرٌ فِي الْخِلَافَةِ طَامِعُ وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَدَّعِي غَيْرَ صَادِقٍ
فَأَضْيَعُ مَا كَانَتْ لَدَيْهِ الصَّنَائِعُ
فَعَزَلَهُ ، وَقِيلَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ غَيْرُهُ ، وَلَمَّا عُزِلَ أَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَقُولُ : إِنَّنِي قَدِمْتُ إِلَى هَاهُنَا وَلَيْسَ لِي دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، وَقَدْ حَصَلَ لِي مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْلَاقِ النَّفِيسَةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ دِينَارٍ ; وَيَسْأَلُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعُ وَيُفْرَجُ عَنْهُ وَيُمَكَّنُ مِنَ الْمَقَامِ بِالْمَشْهَدِ أُسْوَةً بِبَعْضِ الْعَلَوِيِّينَ .
[ ص: 266 ] فَأَجَابَهُ : إِنَّنَا مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْكَ بِشَيْءٍ فَنَوَيْنَا اسْتِعَادَتَهُ مِنْكَ ، وَلَوْ كَانَ مِلْءَ الْأَرْضِ ذَهَبًا ، وَنَفْسُكَ فِي أَمَانِ اللَّهِ وَأَمَانِنَا ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْكَ مَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ ذَلِكَ ، غَيْرَ أَنَّ الْأَعْدَاءَ قَدْ أَكْثَرُوا فِيكَ ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكِ مَوْضِعًا تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ مَوْفُورًا مُحْتَرَمًا .
فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ الِاسْتِظْهَارِ مِنْ جَانِبِ الْخَلِيفَةِ لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْهُ الْعَدُوُّ فَتَذْهَبَ نَفْسُهُ ، فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ .
وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ قَرِيبًا إِلَى النَّاسِ ، حَسَنَ اللِّقَاءِ لَهُمْ وَالِانْبِسَاطِ مَعَهُمْ ، عَفِيفًا عَنْ أَمْوَالِهِمْ ، غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ ، فَلَمَّا قُبِضَ عَادَ أَمِيرُ الْحَاجِّ مِنْ
مِصْرَ وَكَانَ فِي الْخِدْمَةِ الْعَادِلِيَّةِ ، وَعَادَ أَيْضًا قُشْتُمُرُ ، وَأُقِيمَ فِي النِّيَابَةِ فِي الْوِزَارَةِ
فَخْرُ الدِّينِ أَبُو الْبَدْرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَمْسِينَا الْوَاسِطِيُّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَحَكِّمًا .