الفصل الخامس في قسمه - تعالى - جده له ، لتحقق مكانته عنده
قال جل اسمه :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى [ الضحى 1 : 2 ] السورة . اختلف في
nindex.php?page=treesubj&link=28861_32328سبب نزول هذه السورة ، فقيل : كان ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - قيام الليل لعذر نزل به ، فتكلمت امرأة في ذلك بكلام ، وقيل : بل تكلم به المشركون عند فترة الوحي ، فنزلت السورة . قال الفقيه القاضي وفقه الله تعالى : تضمنت من كرامة الله تعالى له ، وتنويهه به ، وتعظيمه إياه ستة وجوه :
الأول : القسم له عما أخبره به من حاله بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1والضحى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2والليل إذا سجى [ الضحى : 1 - 2 ] . أي : ورب الضحى ، وهذا من أعظم درجات المبرة .
الثاني : بيان مكانته عنده ، وحظوته لديه بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك وما قلى [ الضحى : 3 ] ، أي ما تركك ، وما أبغضك ، وقيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك .
الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=29064قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى [ الضحى : 4 ] ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : أي مآلك في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا . وقال
سهل : أي ادخرت لك من
nindex.php?page=treesubj&link=25036_31044الشفاعة ، والمقام المحمود خير لك مما أعطيتك في الدنيا .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=29064قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 5 ] ، وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة ، وأنواع السعادة ، وشتات الإنعام في الدارين ، والزيادة .
[ ص: 136 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : يرضيه بالفلج في الدنيا ، والثواب في الآخرة ، وقيل : يعطيه الحوض ، والشفاعة .
وروي عن بعض آل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ليس آية في القرآن أرجى منها ، ولا يرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل أحد من أمته النار .
الخامس : ما عدده - تعالى - عليه من نعمه ، وقرره من آلائه قبله في بقية السورة ، من هدايته إلى ما هداه له ، أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير ، ولا مال له ، فأغناه بما آتاه ، أو بما جعله في قلبه من القناعة ، والغنى ، ويتيما فحدب عليه عمه ، وآواه إليه ، وقيل : آواه إلى الله ، وقيل : يتيما : لا مثال لك ، فآواك إليه ، وقيل : المعنى : ألم يجدك فهدى بك ضالا ، وأغنى بك عائلا ، وآوى بك يتيما ؟ ذكره بهذه المنن ، وأنه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره ، وعيلته ، ويتمه ، وقبل معرفته به ، ولا ودعه ، ولا قلاه ، فكيف بعد اختصاصه ، واصطفائه ؟ !
السادس : أمره بإظهار نعمته عليه ، وشكر ما شرفه بنشره ، وإشادة ذكره بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=29064وأما بنعمة ربك فحدث [ الضحى : 11 ] ، فإن من شكر النعمة التحدث بها ، وهذا خاص له ، عام لأمته ، وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم إذا هوى [ النجم : 1 ] إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لقد رأى من آيات ربه الكبرى [ النجم : 18 ] .
اختلف المفسرون في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1والنجم بأقاويل معروفة ، منها النجم على ظاهره ، ومنها القرآن .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد أنه
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : هو قلب
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قيل في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=1والسماء والطارق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وما أدراك ما الطارق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النجم الثاقب [ الطارق : 1 : 3 ] إن النجم هنا أيضا
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، حكاه
السلمي . تضمنت هذه الآيات من فضله ، وشرفه العد ما يقف دونه العد ، وأقسم جل اسمه على هداية المصطفى ، وتنزيهه عن الهوى ، وصدقه فيما تلا ، وأنه وحي يوحى أوصله إليه عن الله
جبريل ، وهو الشديد القوى . ثم أخبر - تعالى - عن فضيلته بقصة الإسراء ،
[ ص: 137 ] وانتهائه إلى سدرة المنتهى ، وتصديق بصره فيما رأى ، وأنه رأى من آيات ربه الكبرى ، وقد نبه على مثل هذا في أول سورة الإسراء ، ولما كان ما كاشفه به - صلى الله عليه وسلم - من ذلك الجبروت ، وشاهده من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ، ولا تستقل بحمل سماع أدناه العقول رمز عنه - تعالى - بالإيماء ، والكناية الدالة على التعظيم ، فقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى [ النجم 10 ] . وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي ، والإشارة ، وهو عندهم أبلغ أبواب الإيجاز ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لقد رأى من آيات ربه الكبرى [ النجم : 18 ] انحسرت الأفهام عن تفصيل ما أوحى ، وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى .
قال
القاضي أبو الفضل : اشتملت هذه الآيات على إعلام الله - تعالى - بتزكية جملته - صلى الله عليه وسلم - ، وعصمتها من الآفات في هذا المسرى ، فزكى فؤاده ، ولسانه وجوارحه : فقلبه بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11ما كذب الفؤاد ما رأى ولسانه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى [ النجم : 3 ] . وبصره بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17ما زاغ البصر وما طغى [ النجم : 17 ] . وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فلا أقسم بالخنس nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الجواري الكنس [ التكوير : 15 : 16 ] - إلى قوله - :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=25وما هو بقول شيطان رجيم [ التكوير : 25 ] . لا أقسم : أي أقسم .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إنه لقول رسول كريم ، أي كريم عند مرسله . ذي قوة على تبليغ ما حمله من الوحي ، مكين : أي متمكن المنزلة من ربه ، رفيع المحل عنده ، مطاع ثم : أي في السماء . أمين على الوحي . قال
علي بن عيسى ، وغيره : الرسول الكريم هنا
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فجميع الأوصاف بعد على هذا له .
وقال غيره : هو
جبريل ، فترجع الأوصاف إليه . ولقد رآه يعني
محمدا - صلى الله عليه وسلم - . قيل : رأى ربه ، وقيل : رأى
جبريل في صورته ، ( وما هو على الغيب بظنين ) ، أي : بمتهم ، ومن قرأها بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل بالدعاء به ، والتذكير بحكمه ، وبعلمه ، وهذه
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - باتفاق ، وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن والقلم [ القلم : 1 ] الآيات . أقسم الله - تعالى - بما أقسم به من عظيم قسمه على تنزيه المصطفى مما غمصته الكفرة به ، وتكذيبهم له ، وأنسه ، وبسط أمله بقوله محسنا خطابه :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2ما أنت بنعمة ربك بمجنون [ القلم : 2 ] ، وهذه نهاية المبرة في المخاطبة ، وأعلى درجات الآداب في المحاورة ، ثم أعلمه بما له عنده من نعيم دائم ، وثواب غير منقطع ، لا يأخذه عد ، ولا يمن به عليه ، فقال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون . ثم أثنى عليه بما منحه من هباته ، وهداه إليه ، وأكد ذلك تتميما للتمجيد بحرفي
[ ص: 138 ] التوكيد ، فقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] قيل : القرآن وقيل : الإسلام ، وقيل : الطبع الكريم ، وقيل : ليس لك همة إلا الله .
قال
الواسطي : أثنى عليه بحسن قبوله لما أسداه إليه من نعمه ، وفضله بذلك على غيره ، لأنه جبله على ذلك الخلق ، فسبحان اللطيف الكريم ، المحسن الجواد ، الحميد الذي يسر للخير ، وهدى إليه ، ثم أثنى على فاعله ، وجازاه عليه - سبحانه - ، ما أغمر نواله ، وأوسع إفضاله ، ثم سلاه عن قولهم بعد هذا بما وعده به من عقابهم ، وتوعدهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=5فستبصر ويبصرون [ القلم : 5 ] . ثم عطف بعد مدحه على ذم عدوه ، وذكره سوء خلقه ، وعد معايبه ، متوليا ذلك بفضله ، ومنتصرا لنبيه ، فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=8فلا تطع المكذبين [ القلم : 8 ] - إلى قوله - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=15أساطير الأولين [ القلم : 15 ] ثم ختم ذلك بالوعد الصادق بتمام شقائه ، وخاتمة بواره بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سنسمه على الخرطوم [ القلم : 16 ] . فكانت نصرة الله تعالى له أتم من نصرته لنفسه ، ورده - تعالى - على عدوه أبلغ من رده ، وأثبت في ديوان مجده .
الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي قَسْمِهِ - تَعَالَى - جَدَّهُ لَهُ ، لِتَحَقُّقِ مَكَانَتِهِ عِنْدَهُ
قَالَ جَلَّ اسْمُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [ الضُّحَى 1 : 2 ] السُّورَةُ . اخْتُلِفَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28861_32328سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ، فَقِيلَ : كَانَ تَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيَامَ اللَّيْلِ لِعُذْرٍ نَزَلَ بِهِ ، فَتَكَلَّمَتِ امْرَأَةٌ فِي ذَلِكَ بِكَلَامٍ ، وَقِيلَ : بَلْ تَكَلَّمَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ ، فَنَزَلَتِ السُّورَةُ . قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَضَمَّنَتْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ، وَتَنْوِيهِهِ بِهِ ، وَتَعْظِيمِهِ إِيَّاهُ سِتَّةَ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : الْقَسَمُ لَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ مِنْ حَالِهِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=1وَالضُّحَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=2وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى [ الضُّحَى : 1 - 2 ] . أَيْ : وَرَبِّ الضُّحَى ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ دَرَجَاتِ الْمَبَرَّةِ .
الثَّانِي : بَيَانُ مَكَانَتِهِ عِنْدَهُ ، وَحُظْوَتِهِ لَدَيْهِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [ الضُّحَى : 3 ] ، أَيْ مَا تَرَكَكَ ، وَمَا أَبْغَضَكَ ، وَقِيلَ : مَا أَهْمَلَكَ بَعْدَ أَنِ اصْطَفَاكَ .
الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29064قَوْلُهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى [ الضُّحَى : 4 ] ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : أَيْ مَآلُكَ فِي مَرْجِعِكَ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِمَّا أَعْطَاكَ مِنْ كَرَامَةِ الدُّنْيَا . وَقَالَ
سَهْلٌ : أَيِ ادَّخَرْتُ لَكَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=25036_31044الشَّفَاعَةِ ، وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا أَعْطَيْتُكَ فِي الدُّنْيَا .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29064قَوْلُهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [ الضُّحَى : 5 ] ، وَهَذِهِ آيَةٌ جَامِعَةٌ لِوُجُوهِ الْكَرَامَةِ ، وَأَنْوَاعِ السَّعَادَةِ ، وَشَتَاتِ الْإِنْعَامِ فِي الدَّارَيْنِ ، وَالزِّيَادَةِ .
[ ص: 136 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ : يُرْضِيهِ بِالْفَلَجِ فِي الدُّنْيَا ، وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ : يُعْطِيهِ الْحَوْضَ ، وَالشَّفَاعَةَ .
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ آيَةٌ فِي الْقُرْآنِ أَرْجَى مِنْهَا ، وَلَا يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ النَّارَ .
الْخَامِسُ : مَا عَدَّدَهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ ، وَقَرَّرَهُ مِنْ آلَائِهِ قَبْلَهُ فِي بَقِيَّةِ السُّورَةِ ، مِنْ هِدَايَتِهِ إِلَى مَا هَدَاهُ لَهُ ، أَوْ هِدَايَةِ النَّاسِ بِهِ عَلَى اخْتِلَافِ التَّفَاسِيرِ ، وَلَا مَالَ لَهُ ، فَأَغْنَاهُ بِمَا آتَاهُ ، أَوْ بِمَا جَعَلَهُ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْقَنَاعَةِ ، وَالْغِنَى ، وَيَتِيمًا فَحَدَبَ عَلَيْهِ عَمُّهُ ، وَآوَاهُ إِلَيْهِ ، وَقِيلَ : آوَاهُ إِلَى اللَّهِ ، وَقِيلَ : يَتِيمًا : لَا مِثَالَ لَكَ ، فَآوَاكَ إِلَيْهِ ، وَقِيلَ : الْمَعْنَى : أَلَمْ يَجِدْكَ فَهَدَى بِكَ ضَالًّا ، وَأَغْنَى بِكَ عَائِلًا ، وَآوَى بِكَ يَتِيمًا ؟ ذَكَّرَهُ بِهَذِهِ الْمِنَنِ ، وَأَنَّهُ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنَ التَّفْسِيرِ لَمْ يُهْمِلْهُ فِي حَالِ صِغَرِهِ ، وَعَيْلَتِهِ ، وَيُتْمِهِ ، وَقَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ ، وَلَا وَدَّعَهُ ، وَلَا قَلَاهُ ، فَكَيْفَ بَعْدَ اخْتِصَاصِهِ ، وَاصْطِفَائِهِ ؟ !
السَّادِسُ : أَمَرَهُ بِإِظْهَارِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ ، وَشُكْرِ مَا شَرَّفَهُ بِنَشْرِهِ ، وَإِشَادَةِ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=11nindex.php?page=treesubj&link=29064وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [ الضُّحَى : 11 ] ، فَإِنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ التَّحَدُّثَ بِهَا ، وَهَذَا خَاصٌّ لَهُ ، عَامٌّ لِأُمَّتِهِ ، وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى [ النَّجْمِ : 1 ] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ النَّجْمِ : 18 ] .
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=1وَالنَّجْمِ بِأَقَاوِيلَ مَعْرُوفَةٍ ، مِنْهَا النَّجْمُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَمِنْهَا الْقُرْآنُ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَالَ : هُوَ قَلْبُ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=1وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النَّجْمُ الثَّاقِبُ [ الطَّارِقِ : 1 : 3 ] إِنَّ النَّجْمَ هُنَا أَيْضًا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حَكَاهُ
السُّلَمِيُّ . تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ فَضْلِهِ ، وَشَرَفِهِ الْعِدِّ مَا يَقِفُ دُونَهُ الْعَدُّ ، وَأَقْسَمَ جَلَّ اسْمُهُ عَلَى هِدَايَةِ الْمُصْطَفَى ، وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْهَوَى ، وَصِدْقِهِ فِيمَا تَلَا ، وَأَنَّهُ وَحْيٌ يُوحَى أَوْصَلَهُ إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ
جِبْرِيلُ ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الْقُوَى . ثُمَّ أَخْبَرَ - تَعَالَى - عَنْ فَضِيلَتِهِ بِقِصَّةِ الْإِسْرَاءِ ،
[ ص: 137 ] وَانْتِهَائِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَتَصْدِيقِ بَصَرِهِ فِيمَا رَأَى ، وَأَنَّهُ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ ، وَلَمَّا كَانَ مَا كَاشَفَهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ الْجَبَرُوتِ ، وَشَاهَدَهُ مِنْ عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَاتُ ، وَلَا تَسْتَقِلُّ بِحَمْلِ سَمَاعِ أَدْنَاهُ الْعُقُولُ رَمَزَ عَنْهُ - تَعَالَى - بِالْإِيمَاءِ ، وَالْكِنَايَةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْظِيمِ ، فَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [ النَّجْمُ 10 ] . وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَلَامِ يُسَمِّيهِ أَهْلُ النَّقْدِ وَالْبَلَاغَةِ بِالْوَحْيِ ، وَالْإِشَارَةِ ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَبْلَغُ أَبْوَابِ الْإِيجَازِ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=18لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ النَّجْمِ : 18 ] انْحَسَرَتِ الْأَفْهَامُ عَنْ تَفْصِيلِ مَا أَوْحَى ، وَتَاهَتِ الْأَحْلَامُ فِي تَعْيِينِ تِلْكَ الْآيَاتِ الْكُبْرَى .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ : اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى إِعْلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِتَزْكِيَةِ جُمْلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَعِصْمَتِهَا مِنَ الْآفَاتِ فِي هَذَا الْمَسْرَى ، فَزَكَّى فُؤَادَهُ ، وَلِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ : فَقَلْبَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=11مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلِسَانَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [ النَّجْمِ : 3 ] . وَبَصَرَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=17مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [ النَّجْمِ : 17 ] . وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=15فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=16الْجَوَارِي الْكُنَّسِ [ التَّكْوِيرِ : 15 : 16 ] - إِلَى قَوْلِهِ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=25وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ [ التَّكْوِيرِ : 25 ] . لَا أُقْسِمُ : أَيْ أُقْسِمُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=19إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ، أَيْ كِرِيمٍ عِنْدَ مُرْسِلِهِ . ذِي قُوَّةٍ عَلَى تَبْلِيغِ مَا حَمَلَهُ مِنَ الْوَحْيِ ، مَكِينٍ : أَيْ مُتَمَكِّنِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ رَبِّهِ ، رَفِيعِ الْمَحَلِّ عِنْدَهُ ، مُطَاعٍ ثَمَّ : أَيْ فِي السَّمَاءِ . أَمِينٌ عَلَى الْوَحْيِ . قَالَ
عَلِيُّ بْنُ عِيسَى ، وَغَيْرُهُ : الرَّسُولُ الْكَرِيمُ هُنَا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَجَمِيعُ الْأَوْصَافِ بَعْدُ عَلَى هَذَا لَهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : هُوَ
جِبْرِيلُ ، فَتَرْجِعُ الْأَوْصَافُ إِلَيْهِ . وَلَقَدْ رَآهُ يَعْنِي
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قِيلَ : رَأَى رَبَّهُ ، وَقِيلَ : رَأَى
جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ ، ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ ) ، أَيْ : بِمُتَّهَمٍ ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالضَّادِ فَمَعْنَاهُ : مَا هُوَ بِبَخِيلٍ بِالدُّعَاءِ بِهِ ، وَالتَّذْكِيرِ بِحُكْمِهِ ، وَبِعِلْمِهِ ، وَهَذِهِ
لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّفَاقٍ ، وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن وَالْقَلَمِ [ الْقَلَمِ : 1 ] الْآيَاتِ . أَقْسَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِمَا أَقْسَمَ بِهِ مِنْ عَظِيمِ قَسَمِهِ عَلَى تَنْزِيهِ الْمُصْطَفَى مِمَّا غَمَصَتْهُ الْكَفَرَةُ بِهِ ، وَتَكْذِيبِهِمْ لَهُ ، وَأُنْسِهِ ، وَبَسْطِ أَمَلِهِ بِقَوْلِهِ مُحْسِنًا خِطَابَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [ الْقَلَمِ : 2 ] ، وَهَذِهِ نِهَايَةُ الْمَبَرَّةِ فِي الْمُخَاطَبَةِ ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِ الْآدَابِ فِي الْمُحَاوَرَةِ ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنْ نَعِيمٍ دَائِمٍ ، وَثَوَابٍ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ ، لَا يَأْخُذُهُ عَدٌّ ، وَلَا يَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ . ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا مَنَحَهُ مِنْ هِبَاتِهِ ، وَهَدَاهُ إِلَيْهِ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلتَّمْجِيدِ بِحَرْفَيِ
[ ص: 138 ] التَّوْكِيدِ ، فَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ الْقَلَمِ : 4 ] قِيلَ : الْقُرْآنُ وَقِيلَ : الْإِسْلَامُ ، وَقِيلَ : الطَّبْعُ الْكَرِيمُ ، وَقِيلَ : لَيْسَ لَكَ هِمَّةٌ إِلَّا اللَّهُ .
قَالَ
الْوَاسِطِيُّ : أَثْنَى عَلَيْهِ بِحُسْنِ قَبُولِهِ لِمَا أَسْدَاهُ إِلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ ، وَفَضَّلَهُ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ جَبَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْخُلُقِ ، فَسُبْحَانَ اللَّطِيفِ الْكَرِيمِ ، الْمُحْسِنِ الْجَوَادِ ، الْحَمِيدِ الَّذِي يَسَّرَ لِلْخَيْرِ ، وَهَدَى إِلَيْهِ ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَى فَاعِلِهِ ، وَجَازَاهُ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - ، مَا أَغْمَرَ نَوَالَهُ ، وَأَوْسَعَ إِفْضَالَهُ ، ثُمَّ سَلَاهُ عَنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ هَذَا بِمَا وَعَدَهُ بِهِ مِنْ عِقَابِهِمْ ، وَتَوَعُّدِهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=5فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ [ الْقَلَمِ : 5 ] . ثُمَّ عَطَفَ بَعْدَ مَدْحِهِ عَلَى ذَمِّ عَدُوِّهِ ، وَذِكْرِهِ سُوءَ خُلُقِهِ ، وَعَدِّ مَعَايِبِهِ ، مُتَوَلِّيًا ذَلِكَ بِفَضْلِهِ ، وَمُنْتَصِرًا لِنَبِيِّهِ ، فَذَكَرَ بِضْعَ عَشْرَةَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الذَّمِّ فِيهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=8فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ [ الْقَلَمِ : 8 ] - إِلَى قَوْلِهِ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=15أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [ الْقَلَمِ : 15 ] ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِالْوَعْدِ الصَّادِقِ بِتَمَامِ شَقَائِهِ ، وَخَاتِمَةِ بَوَارِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=16سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [ الْقَلَمِ : 16 ] . فَكَانَتْ نُصْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَتَمَّ مِنْ نُصْرَتِهِ لِنَفْسِهِ ، وَرَدُّهُ - تَعَالَى - عَلَى عَدُوِّهِ أَبْلَغُ مِنْ رَدِّهِ ، وَأَثْبَتُ فِي دِيوَانِ مَجْدِهِ .