[ ص: 429 ] nindex.php?page=treesubj&link=21434_28752_25036ومما ينبغي أن يعلم أن الله إذا أرسل نبيا وأتى بآية دالة على صدقه قامت بها الحجة ، وظهرت بها المحجة ، فمن طالبهم بآية ثانية لم تجب إجابته إلى ذلك ، بل وقد لا ينبغي ذلك ، لأنه إذا جاء بآية ثانية طولب بثالثة ، وإذا جاء بثالثة طولب برابعة ، وطلب المتعنتين لا أمد له ، ومعلوم أنه قامت عليه حجة في مسألة علم أو حق من حقوق العباد التي يتخاصمون فيها ، وقال : أنا لا أقبل حتى تقوم عليه حجة ثانية وثالثة كان ظالما متعديا ، ولم يجب إجابته إلى ذلك ، ولا يمكن الحكام الخصوم من ذلك ، بل إذا قامت البينة بحق المدعي حكم له بذلك ، ولو قال المطلوب : أريد بينة ثانية ، وثالثة ، ورابعة ، لم يجب إلى ذلك ، فحق الله الذي أوجبه على عباده من توحيده ، والإيمان به ، وبرسله أولى إذا أقام بينة أوجبت على الخلق الإيمان برسله أن لا يجب إجابة الطالب إلى ثانية وثالثة .
ثم قد يكون في
nindex.php?page=treesubj&link=29629تتابع الآيات حكمة ، فيتابع تعالى بين الآيات ، كما أرسل
محمدا صلى الله عليه وسلم بآيات متعددة لعموم دعوته وشمولها ، فإن الأدلة كلما كثرت ، وتواردت على مدلول واحد
[ ص: 430 ] كان أوكد وأظهر وأيسر لمعرفة الحق فقد يعرف دلالة أحد الأدلة من لا يعرف الآخر ، وقد يبلغ هذا ما لم يبلغ هذا ، وقد يرسل الأنبياء بآيات متتابعة ، وتقسى قلوب الكفار عن الإيمان لتتابع الآيات آية بعد آية لينتشر ذلك ، ويظهر ، ويبلغ ذلك قوما آخرين فيكون ذلك سببا لإيمانهم ، كما فعل بآيات
موسى ، وآيات
محمد ، كما ذكر في التوراة أنه يقسي قلب فرعون لتظهر عجائبه وآياته ، وكما صد المكذبين عن الإيمان
بمحمد حتى يمانعوه ، ويسعوا في معارضته ، والقدح في آياته فيظهر بذلك عجزهم عن معارضة القرآن ، وغيره من آياته فيكون ذلك من تمام ظهور آياته ، وبراهينه ، بخلاف ما لو اتبع ابتداء بدون ذلك فإنه قد كان يظن أنهم قادرون على معارضته ، وكذلك أيضا يكون في ذلك على يقينه ، وصبره ، وجهاده ، ويقين من آمن به ، وصبرهم ، وجهادهم ما ينالون به عظيم الدرجات في الدنيا والآخرة .
nindex.php?page=treesubj&link=30532وقد تقتضي الحكمة أن لا يرسل بالآيات التي توجب عذاب الاستئصال كما ذكره الله في كتابه من أن الكفار كانوا يقترحون على الأنبياء آيات غير الآيات التي جاءوا ، بها فتارة يجيبهم الله إلى ذلك لما فيه من الحكمة والمصلحة ، وتارة لا يجيبهم لما فيه في ذلك من المضرة والمفسدة عند جمهور أهل الملل من المسلمين وغيرهم الذين يقولون : إنه يفعل للحكمة ، ومن لم يعلل أفعاله يرد ذلك إلى
[ ص: 431 ] محض المشيئة ، ويقول : اقترن بالمراد والمفسدة عادة ، وسنة من الله ، وإن لم يفعل هذا لهذا .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ربما طلب تلك الآيات رغبة منه في إيمانهم بها ، فيجاب بأن الآيات لا تستلزم الهدى ، بل تستلزم إقامة الحجة ، وتوجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها ،
nindex.php?page=treesubj&link=30549_30539_30558_30554والله تعالى قد يظهر الآيات الكثيرة مع طبعه على قلب الكافر ، كما فعل بفرعون ، وأبي لهب ، وغيرهما لما في ذلك من الحكمة العظيمة كما دل على ذلك القرآن ، والتوراة ، وغيرهما ، وقد بين أنه لا يظهرها لانتفاء الحكمة فيها أو لوجود المفسدة . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( 109 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ( 110 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا [ ص: 432 ] بين سبحانه أن ما منعه أن يرسل بالآيات إلا تكذيب الأولين بها الذي استحقوا بها الهلاك ، فإذا كذب بها هؤلاء استحقوا ما استحقه أولئك من عذاب الاستئصال ، وهذا المعنى مذكور في عامة كتب التفسير والحديث ، وغيرها من كتب المسلمين ، وهو معروف بالأسانيد الثابتة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فقد ذكر المفسرون ما رواه أهل التفسير والحديث والمسند وغيرهم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
جعفر بن إياس عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=683062سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا . قال : فقيل له : إن شئت تستأني بهم ، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا هلكوا كما أهلكت من قبلهم . قال : لا بل أستأني بهم . فأنزل الله هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون [ ص: 433 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم وغيره عن
مالك بن دينار قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون
قال : رحمة لكم أيتها الأمة ، أنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها أصابكم ما أصاب من قبلكم .
وفي الإنجيل : أن اليهود طلبوا من
المسيح آية من السماء فقال لهم
المسيح : الأمة الفاجرة تطلب آية ، ولا تعطى إلا مثل آية نونان
[ ص: 434 ] وقد كانت الآيات يأتي بها
محمد صلى الله عليه وسلم آية بعد آية فلا يؤمنون بها . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=4وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=6ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ( 6 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( 7 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ( 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( 9 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=10ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ( 10 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=11قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين [ ص: 435 ] أخبر سبحانه بأن الآيات تأتيهم ، وما تأتيهم من آية إلا أعرضوا عنها ، وأنهم بتكذيبهم الحق سوف يرون صدق ما جاء به الرسول ، كما أهلك من قبلهم بذنوبهم التي هي تكذيب الرسول ، فإن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=59وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون
وأخبر بشدة كفرهم بأنه لو أنزل عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ، وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكا لجعله على صورة الرجل إذ كانوا لا يطيقون أن يروا الملائكة في صورهم ، وحينئذ فكان اللبس يقع لظنهم أن الرسول بشر لا ملك ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( 90 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=91أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ( 91 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( 92 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ( 93 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ( 94 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( 95 )
[ ص: 436 ] وهذه الآيات التي اقترحوها لو أجيبوا بها ، ولم يؤمنوا أتاهم عذاب الاستئصال كما تقدم ، وأيضا فهي مما لا يصلح الإتيان بها ، فإن قولهم " حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " يقتضي تفجير الينبوع بأرض مكة فيصير واديا ذا زرع ، والله من حكمته جعل بيته بواد غير ذي زرع لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا فيكون حجهم للدنيا لا لله ، وإذا كان له جنة من نخيل وأعناب يفجر الأنهار خلالها تفجيرا كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته ، وانخفاض منزلته ، وكذلك إذا كان له بيت من زخرف ، والزخرف الذهب ، وأما إسقاط السماء كسفا فهذا لا يكون إلى يوم القيامة
[ ص: 437 ] وهو لم يخبرهم أن هذا لا يكون إلا يوم القيامة ، فقولهم " كما زعمت " كذب عليه إلا أن يريدوا التمثيل فيكون القياس فاسدا ، وأما الإتيان بالله والملائكة قبيلا فهذا لما سأل قوم
موسى ما هو دونه أخذتهم الصاعقة . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ( 55 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=56ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون وأما إنزال الكتاب فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا ( 153 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( 154 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ( 155 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( 156 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا ( 157 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ( 158 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ( 159 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( 160 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . . . .
[ ص: 438 ] nindex.php?page=treesubj&link=30549بين سبحانه أن المشركين سألوه إنزال كتاب ، وأن أهل الكتاب سألوه ذلك ، وبين سبحانه أن الطائفتين لا تؤمن إذا
[ ص: 439 ] جاءهم ذلك ، وإنما سألوه تعنتا فقال عن المشركين :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين
وذكر عن أهل الكتاب أنهم سألوا
موسى أكبر من ذلك ، وهو رؤية الله جهرة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا ( 153 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا فهم مع هذا نقضوا الميثاق ، وكفروا بآيات الله ، وقتلوا النبيين بغير حق إلى أمثال ذلك ، وأنه بسبب ظلمهم وصدهم عن سبيل الله حرم عليهم طيبات أحلت لهم فكان في هذا من الاعتبار لأمة
محمد صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة المكذبة بك الذين لا يهتدون
[ ص: 440 ] إذا جاءتهم الآيات المقترحة التي اقترحوها لم يك في مجيئها منفعة لهم بل فيها ما يوجب استحقاقهم عقوبة الاستئصال إذا جاءتهم فلم يؤمنوا بها ، وتغليظ الأمر عليهم ، فكان أن لا ينزل مثل هذه الآيات الموجبة لعذاب الاستئصال أعظم رحمة وحكمة .
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=30984_30997عرض الله على محمد صلى الله عليه وسلم أن يهلك قومه لما كذبوه فقال : بل أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ، كما في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652992هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت على وجهي ، وأنا مهموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك ، وما ردوا عليك ، [ ص: 441 ] وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال فسلم علي ، وقال : إن الله قد سمع قول قومك ، وما ردوا عليك ، وقد بعثني إليك لتأمرني بما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين . فقال : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا أخرجاه .
ولما طلب من
المسيح المائدة كانت من الآيات الموجبة لمن كفر بها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 112 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( 113 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ( 114 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وكان قبل نزول التوراة يهلك الله المكذبين للرسل بعذاب
[ ص: 442 ] الاستئصال عذابا عاجلا يهلك الله به جميع المكذبين كما أهلك قوم
نوح ، وكما أهلك
عادا ،
وثمود ،
وأهل مدين ،
وقوم لوط ، وكما أهلك قوم فرعون ، وأظهر آيات كثيرة لما أرسل
موسى ليبقى ذكرها وخبرها في الأرض ، إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال ، بل قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى
بل
nindex.php?page=treesubj&link=32424_31931_31951كان بنو إسرائيل لما يفعلون ما يفعلون من الكفر والمعاصي يعذب بعضهم ويبقى بعضهم ، إذ كانوا لم يتفقوا على الكفر ، ولهذا لم يزل في الأرض أمة من
بني إسرائيل باقية . قال تعالى لما ذكر
بني إسرائيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=168وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون
وقد قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=113من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ( 113 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=114يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين [ ص: 443 ] nindex.php?page=treesubj&link=30234وكان من حكمته ورحمته سبحانه وتعالى لما أرسل محمدا أن يهلك قومه بعذاب الاستئصال كما أهلكت الأمم قبلهم ، بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كما عذب طوائف ممن كذبه بأنواع من العذاب كالمستهزئين الذين قال الله فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إنا كفيناك المستهزئين ( 95 )
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون فعذب الله كل واحد بعذاب معروف ، وكالذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه كلبا من كلابه ، فكان يحترس بقومه فجاءه الأسد وأخذه من بينهم فقتله ، وأمثال ذلك ، وقد تقدم ذلك ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا [ ص: 444 ] فأخبر
nindex.php?page=treesubj&link=30550أنه يعذب الكفار تارة بأيدي عباده المؤمنين بالجهاد ، وإقامة الحدود ، وتارة بعذاب غير ذلك ، فكان يعذبهم بمثل هذه الأسباب مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى
لقريش وغيرهم ، فإنهم لما كذبوه لو أهلكهم كما أهلك قوم فرعون ومن قبلهم لبادتا وانقطعت المنفعة به عنهم ، ولم يبق لهم ذرية تؤمن به بخلاف ما إذا عذب بعضهم بأنواع من العذاب ، ولو بالهزيمة والأسر وقتل بعضهم كما عذبوا يوم
بدر فإن في هذا من إذلالهم وقهرهم ما يوجب عجزهم مع بقائهم ، والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها فلا تكاد تنصرف عنها ، بخلاف ما إذا عجزت عن كمال أغراضها فإن ذلك مما يدعوها إلى التوبة ، كما يقال : من العصمة أن لا تقدر . فكان ما وقع بهم تعجيزا وزاجرا وداعيا إلى التوبة ، ولهذا آمن عامتهم بعد ذلك ، لم يقتل منهم إلا قليل ، وهم صناديد الكفر الذين كان أحدهم في هذه الأمة كفرعون في تلك الأمة ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=684478nindex.php?page=treesubj&link=33681عن أبي جهل : " هذا فرعون هذه الأمة " وقد ذكر الله
لموسى في التوراة : إني أقسي قلب فرعون فلا يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي
[ ص: 445 ] بين أن في ذلك من الحكمة انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض ، إذ كان
موسى قد أخبر بتكليم الله له ، وبكتابة التوراة له ، فأظهر الله من الآيات ما يبقي ذكرها في الأرض ، وكان في ضمن ذلك من تقسيته قلب فرعون ما أوجب أن أهلكه وقومه أجمعين ، وفرعون كان جاحدا للصانع منكرا لربوبيته لا يقر به ، فلذلك أتى من الآيات بما يناسب حاله ، وأما
بنو إسرائيل مع
المسيح فكانوا مقرين بالكتاب الأول فلم يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه
موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، لم يكن محتاجا إلى تقرير جنس النبوة إذ كانت الرسل قبله جاءت بما ثبت ذلك ، وقومه كانوا مقرين بالصانع ، وإنما كانت الحاجة داعية إلى تثبيت نبوته ، ومع هذا فأظهر الله على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم ، ومع هذا فلم يأت بآيات الاستئصال التي يستحق مكذبها العذاب العام العاجل كما استحقه قوم فرعون
وهود ، وصالح وشعيب وغيرهم ، فلهذا يبين الله في القرآن أن هذه الآيات إذا جاءت لا تنفعهم إذ كانوا يؤمنون بها ، ولكن تضرهم إذ كانوا يستحقون عذاب الاستئصال إذا كذبوا حينئذ ، ومع وجود المانع وعدم المقتضي لا يصلح الفعل على قول الجمهور القائلين بالحكمة ، ومن لم يعلل
[ ص: 446 ] فلا يطلب سببا ولا حكمة ، بل يرد الأمر إلى محض المشيئة . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون
وهو يعلم أن قلوب هؤلاء كقلوب أولئك الأولين فيكذبون بها فيستحقون بها ما استحقه أولئك كقوم
نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وغيرهم . قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=52كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ( 52 )
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=53أتواصوا به بل هم قوم طاغون ( 53 )
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=54فتول عنهم فما أنت بملوم ( 54 )
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=55وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم
وقال تعالى عن أهل الكتاب :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يضاهئون قول الذين كفروا من قبل [ ص: 447 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ( 43 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أم يقولون نحن جميع منتصر ( 44 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سيهزم الجمع ويولون الدبر ( 45 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر
ذكر هذا في سورة ( اقتربت ) التي ذكر فيها انشقاق القمر ، وإعراضهم عن الآيات ، وقولهم : هذا سحر مستمر ، وتكذيبهم ، واتباعهم أهواءهم ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة وانشق القمر ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=3وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ( 3 )
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=4ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر
أي من أنباء الغيب ، وما أخبر به ما فيه مزدجر أي ما يزجرهم عن الكفر ، إذ كان في تلك الإنباءات بيان صدق الرسول ، والإنذار لمن كذبه بالعذاب كما عذب المتقدمون ، ولهذا يقول عقيب
[ ص: 448 ] القصة :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=16فكيف كان عذابي ونذر
أي كيف كان عذابي لمن كذب رسلي وإنذاري بذلك قبل مجيئه يبين صدق قوله الذي أخبرت به الرسل ، وعقوبته لمن كذبهم ، ثم ذكر قصة المكذبين
كنوح ، وهود ، وصالح ، ولوط إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=41ولقد جاء آل فرعون النذر ( 41 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=42كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر nindex.php?page=treesubj&link=31911_31916فإن قوم فرعون كذبوا بجميع آيات موسى ، وجميع آيات الأنبياء قبله ، وكذبوا بالآيات الدالة على وجود الرب وقدرته ومشيئته ، إذ كانوا جاحدين للخالق منكرين له فكذبوا بآياته كلها ، ثم قال :
( أكفاركم ) أيتها الأمة التي أرسل
محمد إليها
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43خير من أولئكم
الذين كذبوا
نوحا ، وهودا ، وصالحا ، ولوطا ، وموسى nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أم لكم براءة في الزبر ( 43 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أم يقولون نحن جميع منتصر [ ص: 449 ] وذلك أن كونكم لا تعذبون مثل ما عذبوا إذا كذبتم إما أن يكون لكونكم خيرا منهم فلا تستحقون مثل ما استحقوا أو لكون الله أخبر أنه لا يعذبكم فتكون لكم براءة في الزبر فتعلمون ذلك بخبره ، فإن ما يفعله الله تارة يعلم بخبره ، وتارة يعلم بسنته وحكمته وعدله فإما أن تكونوا علمتم هذا من هذا الوجه أو من هذا الوجه ، هذا إن نظر إلى ما فعل الله الذي لا طاقة للبشر به ، وإن نظر إلى قوة الرسول وأتباعه فيقولون :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44نحن جميع منتصر فإنهم أكثر وأقوى كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=73وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ( 73 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا أي أموالا ومنظرا ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سيهزم الجمع ويولون الدبر [ ص: 450 ] أخبر بهزيمتهم ، وهو
بمكة في قلة من الأتباع ، وضعف منهم ، ولا يظن أحد بالعادة المعروفة أن أمره يظهر ويعلو قبل أن يهاجر إلى
المدينة ، وقبل أن يقاتلهم ، وكان كما أخبر فإنهم يوم
بدر وغيرها هزم جمعهم ، وولوا الأدبار ، وتلك سنة الله في المؤمنين والكافرين . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=22ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا ( 22 )
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=23سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا
وحيث ظهر الكفار فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم ، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم
فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة أن لا يهلكهم هلاك
[ ص: 451 ] استئصال كما أهلك المكذبين ، وكانت الآيات التي اقترحوها موجبة لعذاب الاستئصال كما أهلكت الأمم قبلهم كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أكفاركم خير من أولئكم
كان أن لا يأتي بموجب عذاب الاستئصال مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة ويوضح المحجة أكمل في الحكمة والرحمة ، إذ كان ما أتى به من الآيات حصل به كمال الخير ، والمنفعة ، والهدى ، والبيان ، والحجة على من كفر ، وما امتنع منه دفع من عذاب الاستئصال ، والهلاك ، والعذاب العام ما أوجب بقاء جمهور الأمة حتى يتوبوا ، ويؤمنوا ، ويهتدوا ، وكان في إرسال
محمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الرسل من الحكمة البالغة والمنن السابغة ما لم يكن في رسالة رسول غيره ، صلوات الله عليهم أجمعين
[ ص: 429 ] nindex.php?page=treesubj&link=21434_28752_25036وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرْسَلَ نَبِيًّا وَأَتَى بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ قَامَتْ بِهَا الْحُجَّةُ ، وَظَهَرَتْ بِهَا الْمَحَجَّةُ ، فَمَنْ طَالَبَهُمْ بِآيَةٍ ثَانِيَةٍ لَمْ تَجِبْ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ ، بَلْ وَقَدْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِآيَةٍ ثَانِيَةٍ طُولِبَ بِثَالِثَةٍ ، وَإِذَا جَاءَ بِثَالِثَةٍ طُولِبَ بِرَابِعَةٍ ، وَطَلَبُ الْمُتَعَنِّتِينَ لَا أَمَدَ لَهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فِي مَسْأَلَةِ عِلْمٍ أَوْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي يَتَخَاصَمُونَ فِيهَا ، وَقَالَ : أَنَا لَا أَقْبَلُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ كَانَ ظَالِمًا مُتَعَدِّيًا ، وَلَمْ يَجِبْ إِجَابَتُهُ إِلَى ذَلِكَ ، وَلَا يُمَكِّنِ الْحُكَّامُ الْخُصُومَ مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِحَقِّ الْمُدَّعِي حُكِمَ لَهُ بِذَلِكَ ، وَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ : أُرِيدُ بَيِّنَةً ثَانِيَةً ، وَثَالِثَةً ، وَرَابِعَةً ، لَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ ، فَحَقُّ اللَّهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ ، وَالْإِيمَانِ بِهِ ، وَبِرُسُلِهِ أَوْلَى إِذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَوْجَبَتْ عَلَى الْخَلْقِ الْإِيمَانَ بِرُسُلِهِ أَنْ لَا يُجِبْ إِجَابَةَ الطَّالِبِ إِلَى ثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ .
ثُمَّ قَدْ يَكُونُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29629تَتَابُعِ الْآيَاتِ حِكْمَةٌ ، فَيُتَابِعُ تَعَالَى بَيْنَ الْآيَاتِ ، كَمَا أَرْسَلَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِعُمُومِ دَعْوَتِهِ وَشُمُولِهَا ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ كُلَّمَا كَثُرَتْ ، وَتَوَارَدَتْ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ
[ ص: 430 ] كَانَ أَوْكَدَ وَأَظْهَرَ وَأَيْسَرَ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَقَدْ يَعْرِفُ دَلَالَةَ أَحَدِ الْأَدِلَّةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْآخَرَ ، وَقَدْ يُبَلِّغُ هَذَا مَا لَمْ يُبَلِّغْ هَذَا ، وَقَدْ يُرْسَلُ الْأَنْبِيَاءُ بِآيَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ ، وَتُقْسَى قُلُوبُ الْكُفَّارِ عَنِ الْإِيمَانِ لِتَتَابُعِ الْآيَاتِ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ لِيَنْتَشِرَ ذَلِكَ ، وَيَظْهَرَ ، وَيَبْلُغَ ذَلِكَ قَوْمًا آخَرِينَ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِيمَانِهِمْ ، كَمَا فَعَلَ بِآيَاتِ
مُوسَى ، وَآيَاتِ
مُحَمَّدٍ ، كَمَا ذَكَرَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ يُقْسِي قَلْبَ فِرْعَوْنَ لِتَظْهَرَ عَجَائِبُهُ وَآيَاتُهُ ، وَكَمَا صَدَّ الْمُكَذِّبِينَ عَنِ الْإِيمَانِ
بِمُحَمَّدٍ حَتَّى يُمَانِعُوهُ ، وَيَسْعَوْا فِي مُعَارَضَتِهِ ، وَالْقَدْحِ فِي آيَاتِهِ فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ عَجْزُهُمْ عَنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ ، وَغَيْرِهِ مِنْ آيَاتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ ظُهُورِ آيَاتِهِ ، وَبَرَاهِينِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوِ اتُّبِعَ ابْتِدَاءً بِدُونِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى مُعَارَضَتِهِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَى يَقِينِهِ ، وَصَبْرِهِ ، وَجِهَادِهِ ، وَيَقِينِ مَنْ آمَنَ بِهِ ، وَصَبْرِهِمْ ، وَجِهَادِهِمْ مَا يَنَالُونَ بِهِ عَظِيمَ الدَّرَجَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30532وَقَدْ تَقْتَضِي الْحِكْمَةُ أَنْ لَا يُرْسِلَ بِالْآيَاتِ الَّتِي تُوجِبُ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَقْتَرِحُونَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ آيَاتٍ غَيْرَ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءُوا ، بِهَا فَتَارَةً يُجِيبُهُمُ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، وَتَارَةً لَا يُجِيبُهُمْ لِمَا فِيهِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَضَرَّةِ وَالْمَفْسَدَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّهُ يَفْعَلُ لِلْحِكْمَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُعَلِّلْ أَفْعَالَهُ يَرُدُّ ذَلِكَ إِلَى
[ ص: 431 ] مَحْضِ الْمَشِيئَةِ ، وَيَقُولُ : اقْتَرَنَ بِالْمُرَادِ وَالْمَفْسَدَةِ عَادَةً ، وَسُنَّةً مِنَ اللَّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا لِهَذَا .
وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُبَّمَا طَلَبَ تِلْكَ الْآيَاتِ رَغْبَةً مِنْهُ فِي إِيمَانِهِمْ بِهَا ، فَيُجَابُ بِأَنَّ الْآيَاتِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْهُدَى ، بَلْ تَسْتَلْزِمُ إِقَامَةَ الْحُجَّةِ ، وَتُوجِبُ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ لِمَنْ كَذَّبَ بِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=30549_30539_30558_30554وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يُظْهِرُ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةَ مَعَ طَبْعِهِ عَلَى قَلْبِ الْكَافِرِ ، كَمَا فَعَلَ بِفِرْعَوْنَ ، وَأَبِي لَهَبٍ ، وَغَيْرِهِمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْعَظِيمَةِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ ، وَالتَّوْرَاةُ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُظْهِرُهَا لِانْتِفَاءِ الْحِكْمَةِ فِيهَا أَوْ لِوُجُودِ الْمَفْسَدَةِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=109وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ ( 109 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=110وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 110 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=111وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [ ص: 432 ] بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَا مَنَعَهُ أَنْ يُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَكْذِيبُ الْأَوَّلِينَ بِهَا الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهَا الْهَلَاكَ ، فَإِذَا كَذَّبَ بِهَا هَؤُلَاءِ اسْتَحَقُّوا مَا اسْتَحَقَّهُ أُولَئِكَ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ ، وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ مَا رَوَاهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْمُسْنَدِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=683062سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا ، وَأَنْ يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ حَتَّى يَزْرَعُوا . قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : إِنْ شِئْتَ تَسْتَأْنِي بِهِمْ ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا فَإِنْ كَفَرُوا هَلَكُوا كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ قَبْلَهُمْ . قَالَ : لَا بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [ ص: 433 ] وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ عَنْ
مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ
قَالَ : رَحْمَةٌ لَكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ ، أَنَّا لَوْ أَرْسَلْنَا بِالْآيَاتِ فَكَذَّبْتُمْ بِهَا أَصَابَكُمْ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَكُمْ .
وَفِي الْإِنْجِيلِ : أَنَّ الْيَهُودَ طَلَبُوا مِنَ
الْمَسِيحِ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ فَقَالَ لَهُمُ
الْمَسِيحُ : الْأُمَّةُ الْفَاجِرَةُ تَطْلُبُ آيَةً ، وَلَا تُعْطَى إِلَّا مِثْلَ آيَةِ نُونَانَ
[ ص: 434 ] وَقَدْ كَانَتِ الْآيَاتُ يَأْتِي بِهَا
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهَا . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=4وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( 4 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=5فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=6أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ( 6 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ( 7 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ( 8 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ( 9 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=10وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 10 )
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=11قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [ ص: 435 ] أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الْآيَاتِ تَأْتِيهِمْ ، وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا أَعْرَضُوا عَنْهَا ، وَأَنَّهُمْ بِتَكْذِيبِهِمُ الْحَقَّ سَوْفَ يَرَوْنَ صِدْقَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَهُمْ بِذُنُوبِهِمُ الَّتِي هِيَ تَكْذِيبُ الرَّسُولِ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=59وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
وَأَخْبَرَ بِشِدَّةِ كُفْرِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الرَّسُولَ مَلَكًا لَجَعَلَهُ عَلَى صُورَةِ الرَّجُلِ إِذْ كَانُوا لَا يُطِيقُونَ أَنْ يَرَوُا الْمَلَائِكَةَ فِي صُوَرِهِمْ ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ اللَّبْسُ يَقَعُ لِظَنِّهِمْ أَنَّ الرَّسُولَ بَشَرٌ لَا مَلَكٌ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ( 90 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=91أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا ( 91 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=92أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا ( 92 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ( 93 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=94وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ( 94 )
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=95قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ( 95 )
[ ص: 436 ] وَهَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا لَوْ أُجِيبُوا بِهَا ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا أَتَاهُمْ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَأَيْضًا فَهِيَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ الْإِتْيَانُ بِهَا ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ " حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا " يَقْتَضِي تَفْجِيرَ الْيَنْبُوعِ بِأَرْضِ مَكَّةَ فَيَصِيرُ وَادِيًا ذَا زَرْعٍ ، وَاللَّهُ مِنْ حِكْمَتِهِ جَعْلُ بَيْتِهِ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ لِئَلَّا يَكُونَ عِنْدَهُ مَا تَرْغَبُ النُّفُوسُ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا فَيَكُونَ حَجُّهُمْ لِلدُّنْيَا لَا لِلَّهِ ، وَإِذَا كَانَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ يُفَجِّرُ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا كَانَ فِي هَذَا مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا مَا يَقْتَضِي نَقْصَ دَرَجَتِهِ ، وَانْخِفَاضَ مَنْزِلَتِهِ ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ ، وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ ، وَأَمَّا إِسْقَاطُ السَّمَاءِ كِسَفًا فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
[ ص: 437 ] وَهُوَ لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَقَوْلُهُمْ " كَمَا زَعَمْتَ " كَذِبٌ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا التَّمْثِيلَ فَيَكُونَ الْقِيَاسُ فَاسِدًا ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا فَهَذَا لَمَّا سَأَلَ قَوْمُ
مُوسَى مَا هُوَ دُونَهُ أَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ( 55 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=56ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَمَّا إِنْزَالُ الْكِتَابِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ( 153 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ( 154 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ( 155 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=156وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ( 156 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=157وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=158بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 158 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=159وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ( 159 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ( 160 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ . . . .
[ ص: 438 ] nindex.php?page=treesubj&link=30549بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَأَلُوهُ إِنْزَالَ كِتَابٍ ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ سَأَلُوهُ ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الطَّائِفَتَيْنِ لَا تُؤْمِنُ إِذَا
[ ص: 439 ] جَاءَهُمْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ تَعَنُّتًا فَقَالَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=7وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
وَذَكَرَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا
مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ رُؤْيَةُ اللَّهِ جَهْرَةً فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ( 153 )
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=154وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا فَهُمْ مَعَ هَذَا نَقَضُوا الْمِيثَاقَ ، وَكَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ، وَقَتَلُوا النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ فَكَانَ فِي هَذَا مِنَ الِاعْتِبَارِ لِأُمَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُكَذِّبَةَ بِكَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ
[ ص: 440 ] إِذَا جَاءَتْهُمُ الْآيَاتُ الْمُقْتَرَحَةُ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا لَمْ يَكُ فِي مَجِيئِهَا مَنْفَعَةٌ لَهُمْ بَلْ فِيهَا مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُمْ عُقُوبَةَ الِاسْتِئْصَالِ إِذَا جَاءَتْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا ، وَتَغْلِيظِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ أَنْ لَا يُنْزِلَ مِثْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ أَعْظَمَ رَحْمَةً وَحِكْمَةً .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=30984_30997عَرَضَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمَهُ لَمَّا كَذَّبُوهُ فَقَالَ : بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652992هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْكَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لَيْلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ عَلَى وَجْهِي ، وَأَنَا مَهْمُومٌ فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، [ ص: 441 ] وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ . فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ . فَقَالَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا أَخْرَجَاهُ .
وَلَمَّا طُلِبَ مِنَ
الْمَسِيحِ الْمَائِدَةَ كَانَتْ مِنَ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِمَنْ كَفَرَ بِهَا عَذَابًا لَمْ يُعَذِّبْهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=112إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( 112 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=113قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 113 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ ( 114 )
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=115قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ يُهْلِكُ اللَّهُ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ بِعَذَابِ
[ ص: 442 ] الِاسْتِئْصَالِ عَذَابًا عَاجِلًا يُهْلِكُ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ الْمُكَذِّبِينَ كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ
نُوحٍ ، وَكَمَا أَهْلَكَ
عَادًا ،
وَثَمُودَ ،
وَأَهْلَ مَدْيَنَ ،
وَقَوْمَ لُوطٍ ، وَكَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ، وَأَظْهَرَ آيَاتٍ كَثِيرَةً لَمَّا أَرْسَلَ
مُوسَى لِيَبْقَى ذِكْرُهَا وَخَبَرُهَا فِي الْأَرْضِ ، إِذْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ التَّوْرَاةِ لَمْ يُهْلِكْ أُمَّةً بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ ، بَلْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=43وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى
بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=32424_31931_31951كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمَّا يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي يُعَذَّبُ بَعْضُهُمْ وَيَبْقَى بَعْضُهُمْ ، إِذْ كَانُوا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى الْكُفْرِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَزَلْ فِي الْأَرْضِ أُمَّةٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بَاقِيَةً . قَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=168وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=113مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ( 113 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=114يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [ ص: 443 ] nindex.php?page=treesubj&link=30234وَكَانَ مِنْ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَرْسَلَ مُحَمَّدًا أَنْ يُهْلِكَ قَوْمَهُ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ كَمَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ ، بَلْ عَذَّبَ بَعْضَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ كَمَا عَذَّبَ طَوَائِفَ مِمَّنْ كَذَّبَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ كَالْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=95إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ( 95 )
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=96الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ فَعَذَّبَ اللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَذَابٍ مَعْرُوفٍ ، وَكَالَّذِي دَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ ، فَكَانَ يَحْتَرِسُ بِقَوْمِهِ فَجَاءَهُ الْأَسَدُ وَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَقَتَلَهُ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=52قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا [ ص: 444 ] فَأَخْبَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=30550أَنَّهُ يُعَذِّبُ الْكُفَّارَ تَارَةً بِأَيْدِي عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجِهَادِ ، وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ ، وَتَارَةً بِعَذَابٍ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَكَانَ يُعَذِّبُهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مِمَّا يُوجِبُ إِيمَانَ أَكْثَرِهِمْ كَمَا جَرَى
لِقُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا كَذَّبُوهُ لَوْ أَهْلَكَهُمْ كَمَا أَهْلَكَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُمْ لَبَادَتَا وَانْقَطَعَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهِ عَنْهُمْ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ تُؤْمِنُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَذَّبَ بَعْضَهُمْ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ ، وَلَوْ بِالْهَزِيمَةِ وَالْأَسْرِ وَقَتْلِ بَعْضِهِمْ كَمَا عُذِّبُوا يَوْمَ
بَدْرٍ فَإِنَّ فِي هَذَا مِنْ إِذْلَالِهِمْ وَقَهْرِهِمْ مَا يُوجِبُ عَجْزَهُمْ مَعَ بَقَائِهِمْ ، وَالنُّفُوسُ إِذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى كَمَالِ أَغْرَاضِهَا فَلَا تَكَادُ تَنْصَرِفُ عَنْهَا ، بِخِلَافِ مَا إِذَا عَجَزَتْ عَنْ كَمَالِ أَغْرَاضِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَدْعُوهَا إِلَى التَّوْبَةِ ، كَمَا يُقَالُ : مِنَ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تُقَدَّرَ . فَكَانَ مَا وَقَعَ بِهِمْ تَعْجِيزًا وَزَاجِرًا وَدَاعِيًا إِلَى التَّوْبَةِ ، وَلِهَذَا آمَنَ عَامَّتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ، لَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ، وَهُمْ صَنَادِيدُ الْكُفْرِ الَّذِينَ كَانَ أَحَدُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَفِرْعَوْنَ فِي تِلْكَ الْأُمَّةِ ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=684478nindex.php?page=treesubj&link=33681عَنْ أَبِي جَهْلٍ : " هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ " وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ
لِمُوسَى فِي التَّوْرَاةِ : إِنِّي أُقَسِّي قَلْبَ فِرْعَوْنَ فَلَا يُؤْمِنُ بِكَ لِتَظْهَرَ آيَاتِي وَعَجَائِبِي
[ ص: 445 ] بَيَّنَ أَنَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ انْتِشَارَ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ أَنْبِيَائِهِ فِي الْأَرْضِ ، إِذْ كَانَ
مُوسَى قَدْ أَخْبَرَ بِتَكْلِيمِ اللَّهِ لَهُ ، وَبِكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ لَهُ ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ مَا يُبْقِي ذِكْرَهَا فِي الْأَرْضِ ، وَكَانَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ تَقْسِيَتِهِ قَلْبَ فِرْعَوْنَ مَا أَوْجَبَ أَنْ أَهْلَكَهُ وَقَوْمَهُ أَجْمَعِينَ ، وَفِرْعَوْنُ كَانَ جَاحِدًا لِلصَّانِعِ مُنْكِرًا لِرُبُوبِيَّتِهِ لَا يُقِرُّ بِهِ ، فَلِذَلِكَ أَتَى مِنَ الْآيَاتِ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ ، وَأَمَّا
بَنُو إِسْرَائِيلَ مَعَ
الْمَسِيحِ فَكَانُوا مُقِرِّينَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى مِثْلِ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ
مُوسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إِلَى تَقْرِيرِ جِنْسِ النُّبُوَّةِ إِذْ كَانَتِ الرُّسُلُ قَبْلَهُ جَاءَتْ بِمَا ثَبَتَ ذَلِكَ ، وَقَوْمُهُ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ ، وَإِنَّمَا كَانَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إِلَى تَثْبِيتِ نُبُوَّتِهِ ، وَمَعَ هَذَا فَأَظْهَرَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ مِثْلَ آيَاتِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَعْظَمَ ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَأْتِ بِآيَاتِ الِاسْتِئْصَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ مُكَذِّبُهَا الْعَذَابَ الْعَامَّ الْعَاجِلَ كَمَا اسْتَحَقَّهُ قَوْمُ فِرْعَوْنَ
وَهُودٍ ، وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ ، فَلِهَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ إِذَا جَاءَتْ لَا تَنْفَعُهُمْ إِذْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِهَا ، وَلَكِنْ تَضُرُّهُمْ إِذْ كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ إِذَا كَذَّبُوا حِينَئِذٍ ، وَمَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِ الْمُقْتَضِي لَا يَصْلُحُ الْفِعْلُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِالْحِكْمَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُعَلِّلْ
[ ص: 446 ] فَلَا يَطْلُبُ سَبَبًا وَلَا حِكْمَةً ، بَلْ يَرُدُّ الْأَمْرَ إِلَى مَحْضِ الْمَشِيئَةِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ قُلُوبَ هَؤُلَاءِ كَقُلُوبِ أُولَئِكَ الْأَوَّلِينَ فَيُكَذِّبُونَ بِهَا فَيَسْتَحِقُّونَ بِهَا مَا اسْتَحَقَّهُ أُولَئِكَ كَقَوْمِ
نُوحٍ ، وَهُودٍ ، وَصَالِحٍ ، وَشُعَيْبٍ ، وَلُوطٍ ، وَغَيْرِهِمْ . قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=52كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( 52 )
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=53أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ( 53 )
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=54فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ( 54 )
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=55وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=118قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ
وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=30يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ [ ص: 447 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ( 43 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ ( 44 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ( 45 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ
ذَكَرَ هَذَا فِي سُورَةِ ( اقْتَرَبَتِ ) الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا انْشِقَاقَ الْقَمَرِ ، وَإِعْرَاضَهُمْ عَنِ الْآيَاتِ ، وَقَوْلَهُمْ : هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ، وَتَكْذِيبَهُمْ ، وَاتِّبَاعَهُمْ أَهْوَاءَهُمْ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=2وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ( 2 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=3وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ( 3 )
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=4وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ
أَيْ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ ، وَمَا أَخْبَرَ بِهِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ أَيْ مَا يَزْجُرُهُمْ عَنِ الْكُفْرِ ، إِذْ كَانَ فِي تِلْكَ الْإِنْبَاءَاتِ بَيَانُ صِدْقِ الرَّسُولِ ، وَالْإِنْذَارُ لِمَنْ كَذَّبَهُ بِالْعَذَابِ كَمَا عُذِّبَ الْمُتَقَدِّمُونَ ، وَلِهَذَا يَقُولُ عَقِيبَ
[ ص: 448 ] الْقِصَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=16فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
أَيْ كَيْفَ كَانَ عَذَابِي لِمَنْ كَذَّبَ رُسُلِي وَإِنْذَارِي بِذَلِكَ قَبْلَ مَجِيئِهِ يُبَيِّنُ صِدْقَ قَوْلِهِ الَّذِي أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، وَعُقُوبَتَهُ لِمَنْ كَذَّبَهُمْ ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الْمُكَذِّبِينَ
كَنُوحٍ ، وَهُودٍ ، وَصَالِحٍ ، وَلُوطٍ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=41وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ( 41 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=42كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ nindex.php?page=treesubj&link=31911_31916فَإِنَّ قَوْمَ فِرْعَوْنَ كَذَّبُوا بِجَمِيعِ آيَاتِ مُوسَى ، وَجَمِيعِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ ، وَكَذَّبُوا بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، إِذْ كَانُوا جَاحِدِينَ لِلْخَالِقِ مُنْكِرِينَ لَهُ فَكَذَّبُوا بِآيَاتِهِ كُلِّهَا ، ثُمَّ قَالَ :
( أَكُفَّارُكُمْ ) أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الَّتِي أُرْسِلَ
مُحَمَّدٌ إِلَيْهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ
الَّذِينَ كَذَّبُوا
نُوحًا ، وَهُودًا ، وَصَالِحًا ، وَلُوطًا ، وَمُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ( 43 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ [ ص: 449 ] وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَكُمْ لَا تُعَذَّبُونَ مِثْلَ مَا عُذِّبُوا إِذَا كَذَّبْتُمْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِكُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ فَلَا تَسْتَحِقُّونَ مِثْلَ مَا اسْتَحَقُّوا أَوْ لِكَوْنِ اللَّهِ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُكُمْ فَتَكُونُ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ فَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ ، فَإِنَّ مَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ تَارَةً يُعْلَمُ بِخَبَرِهِ ، وَتَارَةً يُعْلَمُ بِسُنَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونُوا عَلِمْتُمْ هَذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَوْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، هَذَا إِنْ نُظِرَ إِلَى مَا فَعَلَ اللَّهُ الَّذِي لَا طَاقَةَ لِلْبَشَرِ بِهِ ، وَإِنْ نُظِرَ إِلَى قُوَّةِ الرَّسُولِ وَأَتْبَاعِهِ فَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=44نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=73وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ( 73 )
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا أَيْ أَمْوَالًا وَمَنْظَرًا ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=45سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [ ص: 450 ] أَخْبَرَ بِهَزِيمَتِهِمْ ، وَهُوَ
بِمَكَّةَ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْأَتْبَاعِ ، وَضَعْفٍ مِنْهُمْ ، وَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ بِالْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ أَمْرَهُ يَظْهَرُ وَيَعْلُو قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَقَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ، وَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَ
بَدْرٍ وَغَيْرَهَا هُزِمَ جَمْعُهُمْ ، وَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=22وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ( 22 )
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=23سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا
وَحَيْثُ ظَهَرَ الْكُفَّارُ فَإِنَّمَا ذَاكَ لِذُنُوبِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَوْجَبَتْ نَقْصَ إِيمَانِهِمْ ، ثُمَّ إِذَا تَابُوا بِتَكْمِيلِ إِيمَانِهِمْ نَصَرَهُمُ اللَّهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ
فَإِذَا كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ لَا يُهْلِكَهُمْ هَلَاكَ
[ ص: 451 ] اسْتِئْصَالٍ كَمَا أَهْلَكَ الْمُكَذِّبِينَ ، وَكَانَتِ الْآيَاتُ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا مُوجِبَةً لِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ كَمَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ
كَانَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُوجِبِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ مَعَ إِتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يُقِيمُ الْحُجَّةَ وَيُوَضِّحُ الْمَحَجَّةَ أَكْمَلَ فِي الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، إِذْ كَانَ مَا أَتَى بِهِ مِنَ الْآيَاتِ حَصَلَ بِهِ كَمَالُ الْخَيْرِ ، وَالْمَنْفَعَةُ ، وَالْهُدَى ، وَالْبَيَانُ ، وَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ كَفَرَ ، وَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ دَفَعَ مِنْ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ ، وَالْهَلَاكِ ، وَالْعَذَابِ الْعَامِّ مَا أَوْجَبَ بَقَاءَ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ حَتَّى يَتُوبُوا ، وَيُؤْمِنُوا ، وَيَهْتَدُوا ، وَكَانَ فِي إِرْسَالِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ خَاتَمَ الرُّسُلِ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالْمِنَنِ السَّابِغَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي رِسَالَةِ رَسُولٍ غَيْرِهِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ