( فصل ) .
إذا تبين هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=33723الناس في يزيد طرفان ووسط . قوم يعتقدون أنه كان
[1] من الصحابة ، أو من الخلفاء الراشدين المهديين ، أو من الأنبياء ، وهذا [ كله ] باطل
[2] . وقوم يعتقدون أنه كان كافرا منافقا
[3] في الباطن ، وأنه كان له قصد في أخذ ثأر كفار
[4] أقاربه من
أهل المدينة وبني هاشم ، و [ أنه ] أنشد
[5] لما بدت تلك الحمول وأشرفت
[6] تلك الرءوس على ربى جيرون نعق الغراب فقلت نح أو لا تنح
فلقد قضيت من النبي ديوني
[ ص: 550 ] وأنه تمثل بشعر
ابن الزبعرى [7] :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرن من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل
.
وكلا القولين باطل ، يعلم بطلانه كل عاقل ; فإن الرجل ملك من ملوك المسلمين ، وخليفة من الخلفاء الملوك ، لا هذا ولا هذا . وأما
nindex.php?page=treesubj&link=31355مقتل nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين - رضي الله عنه - فلا ريب أنه قتل مظلوما شهيدا ، كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء .
nindex.php?page=treesubj&link=31355وقتل nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله [ أو رضي بذلك ] [8] ، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله ، وهو في حقه شهادة له ، ورفع درجة ، وعلو منزلة ; فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة ، التي لا تنال إلا بنوع من البلاء ، ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما ، فإنهما تربيا في حجر الإسلام ، في عز وأمان ، فمات هذا
[9] مسموما وهذا مقتولا ، لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء .
وليس ما وقع من ذلك بأعظم من قتل الأنبياء ; فإن الله تعالى قد أخبر أن
بني إسرائيل كانوا يقتلون النبيين بغير حق . وقتل النبي أعظم ذنبا ومصيبة ، وكذلك قتل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - أعظم ذنبا ومصيبة ، وكذلك قتل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان - رضي الله عنه - أعظم ذنبا ومصيبة .
[ ص: 551 ] إذا كان كذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19585فالواجب عند المصائب الصبر والاسترجاع ، كما يحبه الله ورسوله . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وبشر الصابرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) [ سورة البقرة : 156،155 ] .
وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وسنن
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن
فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=678100ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت ، فيحدث لها استرجاعا ، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها "
[10]
ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين وابنته التي شهدت مصرعه لهذا الحديث آية ، فإن مصيبة
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين هي ما يذكر وإن قدمت ، فيشرع
[11] للمسلم أن يحدث لها استرجاعا .
وأما ما يكرهه الله ورسوله من
nindex.php?page=treesubj&link=2315لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بدعوى الجاهلية ، فهذا محرم تبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من فاعله . كما في [ الحديث ] الصحيح
[12] عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651212ليس منا من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية "
[13] nindex.php?page=hadith&LINKID=657157وتبرأ من " الصالقة والحالقة والشاقة "
[14] فالصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة ، والحالقة التي تحلق شعرها ، والشاقة التي تشق ثيابها .
[ ص: 552 ] وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=658558إن nindex.php?page=treesubj&link=2315_18400النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران "
[15] .
ورفع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نائحة ، فأمر بضربها ، فقيل : يا أمير المؤمنين إنه قد بدا شعرها . فقال : إنه لا حرمة لها ; أنها تنهى عن الصبر ، وقد أمر الله به ، وتأمر بالجزع ، وقد نهى الله عنه ، وتفتن الحي ، وتؤذي الميت ، وتبيع عبرتها ، وتبكي بشجو غيرها ، إنها لا تبكي على ميتكم ، إنما تبكي على أخذ دراهمكم .
( فَصْلٌ ) .
إِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=33723النَّاسُ فِي يَزِيدَ طَرَفَانِ وَوَسَطٌ . قَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ
[1] مِنَ الصَّحَابَةِ ، أَوْ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، أَوْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَهَذَا [ كُلُّهُ ] بَاطِلٌ
[2] . وَقَوْمٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مُنَافِقًا
[3] فِي الْبَاطِنِ ، وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَصْدٌ فِي أَخْذِ ثَأْرِ كُفَّارِ
[4] أَقَارِبِهِ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَنِي هَاشِمٍ ، وَ [ أَنَّهُ ] أَنْشَدَ
[5] لَمَّا بَدَتْ تِلْكَ الْحُمُولُ وَأَشْرَفَتْ
[6] تِلْكَ الرُّءُوسُ عَلَى رُبَى جَيْرُونِ نَعِقَ الْغُرَابُ فَقُلْتُ نُحْ أَوْ لَا تَنُحْ
فَلَقَدْ قَضَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ دُيُونِي
[ ص: 550 ] وَأَنَّهُ تَمَثَّلَ بِشِعْرِ
ابْنِ الزِّبَعْرَى [7] :
لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ
قَدْ قَتَلْنَا الْقَرْنَ مِنْ سَادَاتِهِمْ وَعَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلْ
.
وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ ، يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ كُلُّ عَاقِلٍ ; فَإِنَّ الرَّجُلَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ ، وَخَلِيفَةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْمُلُوكِ ، لَا هَذَا وَلَا هَذَا . وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=31355مَقْتَلُ nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا ، كَمَا قُتِلَ أَشْبَاهُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ الشُّهَدَاءِ .
nindex.php?page=treesubj&link=31355وَقَتْلُ nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ قَتَلَهُ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ [ أَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ ] [8] ، وَهُوَ مُصِيبَةٌ أُصِيبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ ، وَهُوَ فِي حَقِّهِ شَهَادَةٌ لَهُ ، وَرَفْعُ دَرَجَةٍ ، وَعُلُوُّ مَنْزِلَةٍ ; فَإِنَّهُ وَأَخَاهُ سَبَقَتْ لَهُمَا مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ ، الَّتِي لَا تُنَالُ إِلَّا بِنَوْعٍ مِنَ الْبَلَاءِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا مِنَ السَّوَابِقِ مَا لِأَهْلِ بَيْتِهِمَا ، فَإِنَّهُمَا تَرَبَّيَا فِي حِجْرِ الْإِسْلَامِ ، فِي عِزٍّ وَأَمَانٍ ، فَمَاتَ هَذَا
[9] مَسْمُومًا وَهَذَا مَقْتُولًا ، لِيَنَالَا بِذَلِكَ مَنَازِلَ السُّعَدَاءِ وَعَيْشَ الشُّهَدَاءِ .
وَلَيْسَ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ . وَقَتْلُ النَّبِيِّ أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَعْظَمُ ذَنْبًا وَمُصِيبَةً .
[ ص: 551 ] إِذَا كَانَ كَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19585فَالْوَاجِبُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ الصَّبْرُ وَالِاسْتِرْجَاعُ ، كَمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=155وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=156الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 156،155 ] .
وَفِي مُسْنَدِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنِ مَاجَهْ عَنْ
فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=678100مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدُمَتْ ، فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا "
[10]
وَرِوَايَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ وَابْنَتِهِ الَّتِي شَهِدَتْ مَصْرَعَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ آيَةٌ ، فَإِنَّ مُصِيبَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ هِيَ مَا يُذْكَرُ وَإِنْ قَدُمَتْ ، فَيُشْرَعُ
[11] لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحْدِثَ لَهَا اسْتِرْجَاعًا .
وَأَمَّا مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=2315لَطْمِ الْخُدُودِ ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ ، وَالدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ تَبَرَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ فَاعِلِهِ . كَمَا فِي [ الْحَدِيثِ ] الصَّحِيحِ
[12] عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=651212لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ "
[13] nindex.php?page=hadith&LINKID=657157وَتَبَرَّأَ مِنَ " الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ "
[14] فَالصَّالِقَةُ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ ، وَالْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا ، وَالشَّاقَّةُ الَّتِي تَشُقُّ ثِيَابَهَا .
[ ص: 552 ] وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=658558إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=2315_18400النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَلْبَسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مِنْ جَرَبٍ وَسِرْبَالًا مِنْ قَطِرَانٍ "
[15] .
وَرُفِعَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَائِحَةٌ ، فَأَمَرَ بِضَرْبِهَا ، فَقِيلَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ قَدْ بَدَا شَعْرُهَا . فَقَالَ : إِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهَا ; أَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الصَّبْرِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ، وَتَأْمُرُ بِالْجَزَعِ ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ، وَتَفْتِنُ الْحَيَّ ، وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ ، وَتَبِيعُ عَبْرَتَهَا ، وَتَبْكِي بِشَجْوِ غَيْرِهَا ، إِنَّهَا لَا تَبْكِي عَلَى مَيِّتِكُمْ ، إِنَّمَا تَبْكِي عَلَى أَخْذِ دَرَاهِمِكُمْ .