ففي الجملة
nindex.php?page=treesubj&link=28821أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم ) [ سورة التغابن : 16 ] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "
[1] ، ويعلمون أن الله تعالى بعث
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بصلاح العباد في المعاش والمعاد ، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد ، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما ، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله ، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه .
فإن الله تعالى بعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها . فإذا تولى خليفة من الخلفاء ،
كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم ، * فإما أن يقال : يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى
[2] غيره *
[3] كما يفعله من يرى السيف ، فهذا رأي فاسد ، فإن مفسدة هذا
[4] أعظم من مصلحته . وقل
nindex.php?page=treesubj&link=27223_7854_18292من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان [ ص: 528 ] ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير . كالذين خرجوا على
يزيد بالمدينة ،
وكابن الأشعث الذي خرج على
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بالعراق ،
وكابن المهلب الذي خرج على ابنه
[5] بخراسان ،
وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم
بخراسان [ أيضا ]
[6] ، وكالذين
[7] خرجوا على
المنصور بالمدينة والبصرة ، وأمثال هؤلاء .
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا ، ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة ; فإن
عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان
[8] قتلا خلقا كثيرا ، وكلاهما قتله
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبو جعفر المنصور . وأما
أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم
[9] فهزموا وهزم أصحابهم ، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا . والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا ، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله
[10] المتقين ومن أهل الجنة ، فليسوا أفضل من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير وغيرهم ، ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه
[11] من القتال ، وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم .
وكذلك
أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق . وكذلك
[ ص: 529 ] أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم والدين ، والله يغفر لهم [ كلهم ]
[12] .
وقد قيل
للشعبي في فتنة
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابن الأشعث : أين كنت يا
عامر ؟ قال : كنت حيث يقول الشاعر
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير
.
أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري يقول : إن
nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج عذاب الله ، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم ، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع ، فإن الله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ) [ سورة المؤمنون : 76 ] وكان
طلق بن حبيب يقول : اتقوا الفتنة بالتقوى . فقيل له : أجمل لنا التقوى . فقال : أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ، ترجو رحمة الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا .
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة ، كما كان
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وغيرهم ينهون عام الحرة عن الخروج على
يزيد ، وكما كان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابن الأشعث . ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ، ويأمرون بالصبر على جور
[ ص: 530 ] الأئمة وترك قتالهم ، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين .
وباب
nindex.php?page=treesubj&link=31313_33715_9533_26551_20195قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة ، وليس هذا موضع بسطه . ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب واعتبر أيضا اعتبار أولي الأبصار ، علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور . ولهذا لما أراد
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين - رضي الله عنه - أن يخرج إلى
أهل العراق لما كاتبوه كتبا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين ،
nindex.php?page=showalam&ids=12كابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج ، وغلب على ظنهم أنه يقتل ، حتى إن بعضهم قال : أستودعك الله من قتيل . وقال بعضهم : لولا الشفاعة لأمسكتك ومنعتك من الخروج . وهم في ذلك قاصدون نصيحته طالبون لمصلحته ومصلحة المسلمين . والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد ، لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى .
فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك ، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا
[13] ، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتلوه مظلوما شهيدا ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل
[14] لو قعد في بلده ، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء ، بل زاد الشر بخروجه وقتله ، ونقص
[ ص: 531 ] الخير بذلك ، وصار ذلك
[15] سببا لشر عظيم . وكان قتل
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين مما أوجب الفتن ، كما كان قتل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان مما أوجب الفتن .
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من
nindex.php?page=treesubj&link=27223_19594الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد ، وأن من خالف ذلك متعمدا أو مخطئا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد . ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=909636إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين "
[16] ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة ولا بخروج على الأئمة ولا نزع يد من طاعة ولا مفارقة للجماعة .
وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة في الصحيح كلها تدل على هذا . كما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : سمعت
أبا بكرة - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653463سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول : " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيد ، وحقق ما أشار إليه من أن الله يصلح به بين فئتين [ عظيمتين ]
[17] من المسلمين .
وهذا يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان محبوبا
[18] ممدوحا يحبه الله
[ ص: 532 ] ورسوله ، وأن ما فعله
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - . ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لم يثن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد
[19] بترك واجب أو مستحب . ولهذا لم يثن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أحد
[20] بما جرى من القتال يوم الجمل وصفين فضلا عما جرى في
المدينة يوم الحرة ، وما جرى
بمكة في حصار
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، وما جرى في فتنة
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابن الأشعث وابن المهلب وغير ذلك من الفتن . ولكن تواتر عنه أنه أمر بقتال
الخوارج المارقين الذين قاتلهم أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
بالنهروان بعد خروجهم عليه
بحروراء ; فهؤلاء استفاضت السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بقتالهم ، ولما قاتلهم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - فرح بقتالهم ، وروى الحديث فيهم . واتفق الصحابة على قتال هؤلاء ، وكذلك أئمة أهل العلم بعدهم لم يكن هذا القتال [ عندهم ]
[21] كقتال أهل الجمل
وصفين وغيرهما مما لم يأت فيه نص ولا إجماع ، ولا حمده أفاضل الداخلين فيه ، بل ندموا عليه ورجعوا عنه .
وهذا الحديث من أعلام نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث ذكر في
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن ما ذكره ، وحمد منه ما حمده ، [ فكان ما ذكره وما حمده ]
[22] مطابقا للحق الواقع بعد أكثر من ثلاثين سنة ; فإن إصلاح الله
بالحسن بين الفئتين
[ ص: 533 ] كان سنة إحدى وأربعين من الهجرة ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - استشهد في رمضان سنة أربعين ،
nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن حين مات النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عمره نحو سبع سنين ، فإنه ولد عام ثلاث من الهجرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=130وأبو بكرة أسلم عام
الطائف ، تدلى ببكرة فقيل له
أبو بكرة [23] .
والطائف كانت بعد فتح
مكة . فهذا الحديث الذي قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن كان بعد ما مضى ثمان من الهجرة ، وكان بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثين سنة التي هي خلافة النبوة ، فلا بد أن يكون قد مضى له أكثر من ثلاثين سنه ، فإنه قاله قبل موته - صلى الله عليه وسلم - . ومما يناسب هذا ما ثبت في الصحيح
[24] من حديث
سليمان التيمي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي nindex.php?page=hadith&LINKID=103778عن nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأخذه nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن ويقول : " اللهم إني أحبهما فأحبهما "
[25] . ففي هذا الحديث جمعه بين
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن وأسامة - رضي الله عنهما - وإخباره بأنه يحبهما [ ودعاؤه الله أن يحبهما ]
[26] . وحبه - صلى الله عليه وسلم - لهذين
[27] مستفيض عنه في أحاديث صحيحة ، كما في الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال
[28] :
nindex.php?page=hadith&LINKID=666086رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 534 ] والحسن [ بن علي ]
[29] على عاتقه [ وهو ]
[30] يقول : " اللهم إني أحبه فأحبه "
[31] .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653216أن قريشا أهمهم [ شأن ]
[32] المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ [ قالوا ]
[33] : ومن يجترئ عليه إلا أسامة
[34] بن زيد حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
[35] وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار قال : نظر
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يوما وهو في المسجد إلى رجل يسحب ثيابه في ناحية من المسجد ، فقال : انظر من هذا ؟ ليت هذا
[ ص: 535 ] عندي ! قال له إنسان : أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن ؟ هذا
محمد بن أسامة . قال : فطأطأ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه - رأسه ، ونقر بيديه
[36] على الأرض ، وقال : لو رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأحبه
[37] .
وهذان اللذان جمع بينهما في محبته ، ودعا الله لهما بالمحبة ، وكان يعرف حبه لكل [ واحد ]
[38] منهما منفردا ، لم يكن رأيهما القتال في تلك الحروب ، بل
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة قعد عن القتال يوم
صفين : لم يقاتل مع هؤلاء ولا [ مع ] هؤلاء
[39] .
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن كان دائما
[40] يشير على أبيه وأخيه بترك القتال ، ولما صار الأمر إليه ترك القتال ، وأصلح الله به بين الطائفتين المقتتلتين .
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي - رضي الله عنه - في آخر الأمر تبين له أن المصلحة في ترك القتال أعظم منها في فعله .
وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين - رضي الله عنه - لم يقتل إلا مظلوما شهيدا ، تاركا لطلب الإمارة
[41] ، طالبا للرجوع : إما إلى بلده ، أو إلى الثغر
[42] ، أو إلى المتولي على الناس
يزيد .
[ ص: 536 ] وإذا قال القائل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين إنما تركا القتال [ في آخر الأمر ]
[43] للعجز ، لأنه لم يكن لهما أنصار
[44] ، فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول المصلحة المطلوبة .
قيل له : وهذا بعينه هو الحكمة التي راعاها الشارع - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الخروج على الأمراء ، وندب إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30202ترك القتال في الفتنة ، وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كالذين خرجوا
بالحرة وبدير الجماجم على
يزيد nindex.php?page=showalam&ids=14078والحجاج وغيرهما .
لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه ، صار
[45] إزالته على هذا الوجه منكرا ، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف ، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرا .
فَفِي الْجُمْلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28821أَهْلُ السُّنَّةِ يَجْتَهِدُونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [ سُورَةُ التَّغَابُنِ : 16 ] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=9510إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ "
[1] ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاحِ وَنَهَى عَنِ الْفَسَادِ ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ صَلَاحٌ وَفَسَادٌ رَجَّحُوا الرَّاجِحَ مِنْهُمَا ، فَإِذَا كَانَ صَلَاحُهُ أَكْثَرَ مِنْ فَسَادِهِ رَجَّحُوا فِعْلَهُ ، وَإِنْ كَانَ فَسَادُهُ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاحِهِ رَجَّحُوا تَرْكَهُ .
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا ، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا . فَإِذَا تَوَلَّى خَلِيفَةٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ ،
كَيَزِيدَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَالْمَنْصُورِ وَغَيْرِهِمْ ، * فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ : يَجِبُ مَنْعُهُ مِنَ الْوِلَايَةِ وَقِتَالُهُ حَتَّى يُوَلَّى
[2] غَيْرُهُ *
[3] كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَرَى السَّيْفَ ، فَهَذَا رَأْيٌ فَاسِدٌ ، فَإِنَّ مَفْسَدَةَ هَذَا
[4] أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ . وَقَلَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27223_7854_18292مَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامٍ ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا كَانَ [ ص: 528 ] مَا تَوَلَّدَ عَلَى فِعْلِهِ مِنَ الشَّرِّ أَعْظَمَ مِمَّا تَوَلَّدَ مِنَ الْخَيْرِ . كَالَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى
يَزِيدَ بِالْمَدِينَةِ ،
وَكَابْنِ الْأَشْعَثِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْعِرَاقِ ،
وَكَابْنِ الْمُهَلَّبِ الَّذِي خَرَجَ عَلَى ابْنِهِ
[5] بِخُرَاسَانَ ،
وَكَأَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّعْوَةِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ
بِخُرَاسَانَ [ أَيْضًا ]
[6] ، وَكَالَّذِينَ
[7] خَرَجُوا عَلَى
الْمَنْصُورِ بِالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ .
وَغَايَةُ هَؤُلَاءِ إِمَّا أَنْ يَغْلِبُوا وَإِمَّا أَنْ يُغْلَبُوا ، ثُمَّ يَزُولُ مُلْكُهُمْ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ عَاقِبَةٌ ; فَإِنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ وَأَبَا مُسْلِمٍ هُمَا اللَّذَانِ
[8] قَتَلَا خَلْقًا كَثِيرًا ، وَكِلَاهُمَا قَتَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ . وَأَمَّا
أَهْلُ الْحَرَّةِ وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَابْنُ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرُهُمْ
[9] فَهُزِمُوا وَهُزِمَ أَصْحَابُهُمْ ، فَلَا أَقَامُوا دِينًا وَلَا أَبْقَوْا دُنْيَا . وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ بِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الدِّينِ وَلَا صَلَاحُ الدُّنْيَا ، وَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ
[10] الْمُتَّقِينَ وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَلَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=55وَطَلْحَةَ nindex.php?page=showalam&ids=15وَالزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يُحْمَدُوا مَا فَعَلُوهُ
[11] مِنَ الْقِتَالِ ، وَهُمْ أَعْظَمُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ نِيَّةً مِنْ غَيْرِهِمْ .
وَكَذَلِكَ
أَهْلُ الْحَرَّةِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَلْقٌ . وَكَذَلِكَ
[ ص: 529 ] أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابْنِ الْأَشْعَثِ كَانَ فِيهِمْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ [ كُلِّهِمْ ]
[12] .
وَقَدْ قِيلَ
لِلشَّعْبِيِّ فِي فِتْنَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابْنِ الْأَشْعَثِ : أَيْنَ كُنْتَ يَا
عَامِرُ ؟ قَالَ : كُنْتُ حَيْثُ يَقُولُ الشَّاعِرُ
عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ عَوَى وَصَوَّتَ إِنْسَانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ
.
أَصَابَتْنَا فِتْنَةٌ لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ ، وَلَا فَجَرَةً أَقْوِيَاءَ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14078الْحَجَّاجَ عَذَابُ اللَّهِ ، فَلَا تَدْفَعُوا عَذَابَ اللَّهِ بِأَيْدِيكُمْ ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِكَانَةِ وَالتَّضَرُّعِ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=76وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ) [ سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ : 76 ] وَكَانَ
طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ : اتَّقَوُا الْفِتْنَةَ بِالتَّقْوَى . فَقِيلَ لَهُ : أَجْمِلْ لَنَا التَّقْوَى . فَقَالَ : أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ ، تَرْجُو رَحْمَةَ اللَّهِ ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ تَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12455وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا .
وَكَانَ أَفَاضِلُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ، كَمَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمْ يَنْهَوْنَ عَامَ الْحَرَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى
يَزِيدَ ، وَكَمَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْخُرُوجِ فِي فِتْنَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابْنِ الْأَشْعَثِ . وَلِهَذَا اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَارُوا يَذْكُرُونَ هَذَا فِي عَقَائِدِهِمْ ، وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ
[ ص: 530 ] الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَاتَلَ فِي الْفِتْنَةِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ .
وَبَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=31313_33715_9533_26551_20195قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ يَشْتَبِهُ بِالْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ . وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْبَابِ وَاعْتَبَرَ أَيْضًا اعْتِبَارَ أُولِي الْأَبْصَارِ ، عَلِمَ أَنَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ خَيْرُ الْأُمُورِ . وَلِهَذَا لَمَّا أَرَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَخْرُجَ إِلَى
أَهْلِ الْعِرَاقِ لَمَّا كَاتَبُوهُ كُتُبًا كَثِيرَةً أَشَارَ عَلَيْهِ أَفَاضِلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12كَابْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَوْلَا الشَّفَاعَةُ لَأَمْسَكْتُكَ وَمَنَعْتُكَ مِنَ الْخُرُوجِ . وَهُمْ فِي ذَلِكَ قَاصِدُونَ نَصِيحَتَهُ طَالِبُونَ لِمَصْلَحَتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ . وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ لَا بِالْفَسَادِ ، لَكِنَّ الرَّأْيَ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ أُولَئِكَ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْخُرُوجِ لَا مَصْلَحَةُ دِينٍ وَلَا مَصْلَحَةُ دُنْيَا
[13] ، بَلْ تَمَكَّنَ أُولَئِكَ الظَّلَمَةُ الطُّغَاةُ مِنْ سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَتَلُوهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا ، وَكَانَ فِي خُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ حَصَلَ
[14] لَوْ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ ، فَإِنَّ مَا قَصَدَهُ مِنْ تَحْصِيلِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ ، بَلْ زَادَ الشَّرُّ بِخُرُوجِهِ وَقَتْلِهِ ، وَنَقَصَ
[ ص: 531 ] الْخَيْرُ بِذَلِكَ ، وَصَارَ ذَلِكَ
[15] سَبَبًا لِشَرٍّ عَظِيمٍ . وَكَانَ قَتْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنِ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ ، كَمَا كَانَ قَتْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ مِمَّا أَوْجَبَ الْفِتَنَ .
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=27223_19594الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ هُوَ أَصْلَحُ الْأُمُورِ لِلْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ صَلَاحٌ بَلْ فَسَادٌ . وَلِهَذَا أَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=909636إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ "
[16] وَلَمْ يُثْنِ عَلَى أَحَدٍ لَا بِقِتَالٍ فِي فِتْنَةٍ وَلَا بِخُرُوجٍ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَلَا نَزْعِ يَدٍ مِنْ طَاعَةٍ وَلَا مُفَارَقَةٍ لِلْجَمَاعَةِ .
وَأَحَادِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا . كَمَا فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : سَمِعْتُ
أَبَا بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653463سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ nindex.php?page=showalam&ids=35وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ : " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " . فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ سَيِّدٌ ، وَحَقَّقَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ [ عَظِيمَتَيْنِ ]
[17] مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ مَحْبُوبًا
[18] مَمْدُوحًا يُحِبُّهُ اللَّهُ
[ ص: 532 ] وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ وَمَنَاقِبِهِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَحَدٍ
[19] بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ . وَلِهَذَا لَمْ يُثْنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَحَدٍ
[20] بِمَا جَرَى مِنَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ فَضْلًا عَمَّا جَرَى فِي
الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّةِ ، وَمَا جَرَى
بِمَكَّةَ فِي حِصَارِ
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمَا جَرَى فِي فِتْنَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12582ابْنِ الْأَشْعَثِ وَابْنِ الْمُهَلَّبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ . وَلَكِنْ تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِقِتَالِ
الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
بِالنَّهْرَوَانِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ عَلَيْهِ
بِحَرُورَاءَ ; فَهَؤُلَاءِ اسْتَفَاضَتِ السُّنَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ ، وَلَمَّا قَاتَلَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرِحَ بِقِتَالِهِمْ ، وَرَوَى الْحَدِيثَ فِيهِمْ . وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ ، وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقِتَالُ [ عِنْدَهُمْ ]
[21] كَقِتَالِ أَهْلِ الْجَمَلِ
وَصِفِّينَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ ، وَلَا حَمِدَهُ أَفَاضِلُ الدَّاخِلِينَ فِيهِ ، بَلْ نَدِمُوا عَلَيْهِ وَرَجَعُوا عَنْهُ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ ذَكَرَ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنِ مَا ذَكَرَهُ ، وَحَمِدَ مِنْهُ مَا حَمِدَهُ ، [ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ وَمَا حَمِدَهُ ]
[22] مُطَابِقًا لِلْحَقِّ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً ; فَإِنَّ إِصْلَاحَ اللَّهِ
بِالْحَسَنِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ
[ ص: 533 ] كَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتُشْهِدَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=35وَالْحَسَنُ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عُمُرُهُ نَحْوَ سَبْعِ سِنِينَ ، فَإِنَّهُ وُلِدَ عَامَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=130وَأَبُو بَكْرَةَ أَسْلَمَ عَامَ
الطَّائِفِ ، تَدَلَّى بِبَكْرَةٍ فَقِيلَ لَهُ
أَبُو بَكْرَةَ [23] .
وَالطَّائِفُ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ
مَكَّةَ . فَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنِ كَانَ بَعْدَ مَا مَضَى ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ، وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثِينَ سَنَةً الَّتِي هِيَ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَضَى لَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَهً ، فَإِنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
[24] مِنْ حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12081أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ nindex.php?page=hadith&LINKID=103778عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ nindex.php?page=showalam&ids=35وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا "
[25] . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعُهُ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنِ وَأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهُ يُحِبُّهُمَا [ وَدُعَاؤُهُ اللَّهَ أَنْ يُحِبَّهُمَا ]
[26] . وَحُبُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَيْنِ
[27] مُسْتَفِيضٌ عَنْهُ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16102شُعْبَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16558عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
[28] :
nindex.php?page=hadith&LINKID=666086رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ ص: 534 ] وَالْحَسَنَ [ بْنَ عَلِيٍّ ]
[29] عَلَى عَاتِقِهِ [ وَهُوَ ]
[30] يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ "
[31] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653216أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ [ شَأْنُ ]
[32] الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ [ قَالُوا ]
[33] : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ
[34] بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟
[35] وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16430عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : نَظَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : انْظُرْ مَنْ هَذَا ؟ لَيْتَ هَذَا
[ ص: 535 ] عِنْدِي ! قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ : أَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ؟ هَذَا
مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ . قَالَ : فَطَأْطَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأْسَهُ ، وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ
[36] عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَالَ : لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَأَحَبَّهُ
[37] .
وَهَذَانِ اللَّذَانِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَحَبَّتِهِ ، وَدَعَا اللَّهَ لَهُمَا بِالْمَحَبَّةِ ، وَكَانَ يُعْرَفُ حُبُّهُ لِكُلِّ [ وَاحِدٍ ]
[38] مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا ، لَمْ يَكُنْ رَأْيُهُمَا الْقِتَالَ فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ ، بَلْ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةُ قَعَدَ عَنِ الْقِتَالِ يَوْمَ
صِفِّينَ : لَمْ يُقَاتِلْ مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا [ مَعَ ] هَؤُلَاءِ
[39] .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنُ كَانَ دَائِمًا
[40] يُشِيرُ عَلَى أَبِيهِ وَأَخِيهِ بِتَرْكِ الْقِتَالِ ، وَلَمَّا صَارَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ تَرَكَ الْقِتَالَ ، وَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ .
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي آخِرِ الْأَمْرِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي فِعْلِهِ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=17الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُقْتَلْ إِلَّا مَظْلُومًا شَهِيدًا ، تَارِكًا لِطَلَبِ الْإِمَارَةِ
[41] ، طَالِبًا لِلرُّجُوعِ : إِمَّا إِلَى بَلَدِهِ ، أَوْ إِلَى الثَّغْرِ
[42] ، أَوْ إِلَى الْمُتَوَلِّي عَلَى النَّاسِ
يَزِيدَ .
[ ص: 536 ] وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا nindex.php?page=showalam&ids=17وَالْحُسَيْنَ إِنَّمَا تَرَكَا الْقِتَالَ [ فِي آخِرِ الْأَمْرِ ]
[43] لِلْعَجْزِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَنْصَارٌ
[44] ، فَكَانَ فِي الْمُقَاتَلَةِ قَتْلُ النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الْمَطْلُوبَةِ .
قِيلَ لَهُ : وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْحِكْمَةُ الَّتِي رَاعَاهَا الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ ، وَنَدَبَ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30202تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُونَ لِذَلِكَ يَرَوْنَ أَنَّ مَقْصُودَهُمُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، كَالَّذِينَ خَرَجُوا
بِالْحَرَّةِ وَبِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ عَلَى
يَزِيدَ nindex.php?page=showalam&ids=14078وَالْحَجَّاجِ وَغَيْرِهِمَا .
لَكِنْ إِذَا لَمْ يُزَلِ الْمُنْكَرُ إِلَّا بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ ، صَارَ
[45] إِزَالَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُنْكَرًا ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ الْمَعْرُوفُ إِلَّا بِمُنْكَرٍ مَفْسَدَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ ، كَانَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُنْكَرًا .