وهنا سؤال معروف ، وهو :
nindex.php?page=treesubj&link=19736أن من الناس من قد يسأل الله فلا يعطى شيئا ، أو يعطى غير ما سأل ؟ وقد أجيب عنه بأجوبة ، فيها ثلاثة أجوبة محققة :
أحدها : أن الآية لم تتضمن عطية السؤال مطلقا ، وإنما تضمنت إجابة الداعي ، والداعي أعم من السائل ، وإجابة الداعي أعم من إعطاء السائل . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964522ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ .
ففرق بين الداعي والسائل ، وبين الإجابة والإعطاء ، وهو فرق بالعموم والخصوص ، كما أتبع ذلك بالمستغفر ، وهو نوع من السائل ، فذكر العام ثم الخاص ثم الأخص . وإذا علم العباد أنه قريب ، يجيب دعوة الداعي ، علموا قربه منهم ، وتمكنهم من سؤاله - : وعلموا علمه
[ ص: 682 ] ورحمته وقدرته ، فدعوه دعاء العبادة في حال ، ودعاء المسألة في حال ، [ وجمعوا بينهما في حال ] ، إذ الدعاء اسم يجمع العبادة والاستعانة ، وقد فسر قوله .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [ غافر : 60 ] بالدعاء ، الذي هو العبادة ، والدعاء الذي هو الطلب . وقوله بعد ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي [ غافر : 60 ] - يؤيد المعنى الأول .
الجواب الثاني : أن إجابة دعاء السؤال أعم من إعطاء عين السؤال ، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه
مسلم في صحيحه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964523ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال . إما أن يعجل له دعوته ، أو يدخر له من الخير مثلها ، أو يصرف عنه من الشر مثلها ، قالوا : يا رسول الله ، إذا نكثر ، قال : الله أكثر . فقد أخبر الصادق
[ ص: 683 ] المصدوق أنه لا بد في الدعوة الخالية عن العدوان من إعطاء السؤال معجلا ، أو مثله من الخير مؤجلا ، أو يصرف عنه من السوء مثله .
الجواب الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28684الدعاء سبب مقتض لنيل المطلوب ، والسبب له شروط وموانع ، فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب ، وإلا فلا يحصل ذلك المطلوب ، بل قد يحصل غيره . وهكذا سائر الكلمات الطيبات ، من الأذكار المأثورة المعلق عليها جلب منافع أو دفع مضار ، فإن الكلمات بمنزلة الآلة في يد الفاعل ، تختلف باختلاف قوته وما يعينها ، وقد يعارضها مانع من الموانع . ونصوص الوعد والوعيد المتعارضة في الظاهر - : من هذا الباب . وكثيرا ما تجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم ، ويكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله ، أو حسنة تقدمت منه ، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته ، أو صادف وقت إجابة ، ونحو ذلك - فأجيبت دعوته ، فيظن أن السر في ذلك الدعاء ، فيأخذه مجردا عن تلك الأمور التي قارنته من ذلك الداعي .
وهذا كما إذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي ، فانتفع به ، فظن آخر أن استعمال هذا الدواء بمجرده كاف في حصول المطلوب ، فكان غالطا .
وكذا قد يدعو باضطرار عند قبر ، فيجاب ، فيظن أن السر للقبر ، ولم يدر أن السر للاضطرار وصدق اللجء إلى الله تعالى ، فإذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله تعالى كان أفضل وأحب إلى الله تعالى .
[ ص: 684 ] nindex.php?page=treesubj&link=28791فالأدعية والتعوذات والرقى بمنزلة السلاح ، والسلاح بضاربه ، لا بحده فقط ، فمتى كان السلاح سلاحا تاما والساعد ساعدا قويا ، والمحل قابلا ، والمانع مفقودا - : حصلت به النكاية في العدو ، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير .
فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح ، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء ، أو كان ثم مانع من الإجابة - : لم يحصل الأثر .
قوله : ( ويملك كل شيء ، ولا يملكه شيء . ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين ، ومن استغنى عن الله طرفة عين ، فقد كفر وصار من أهل الحين ) .
ش : كلام حق ظاهر لا خفاء فيه . والحين ، بالفتح : الهلاك .
وَهُنَا سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ :
nindex.php?page=treesubj&link=19736أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ يَسْأَلُ اللَّهَ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا ، أَوْ يُعْطَى غَيْرَ مَا سَأَلَ ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ ، فِيهَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ مُحَقَّقَةٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَضَمَّنْ عَطِيَّةَ السُّؤَالِ مُطْلَقًا ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ إِجَابَةَ الدَّاعِي ، وَالدَّاعِي أَعَمُّ مِنَ السَّائِلِ ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي أَعَمُّ مِنْ إِعْطَاءِ السَّائِلِ . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964522يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ .
فَفَرْقٌ بَيْنَ الدَّاعِي وَالسَّائِلِ ، وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالْإِعْطَاءِ ، وَهُوَ فَرْقٌ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ، كَمَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْمُسْتَغْفِرِ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّائِلِ ، فَذَكَرَ الْعَامَّ ثُمَّ الْخَاصَّ ثُمَّ الْأَخَصَّ . وَإِذَا عَلِمَ الْعِبَادُ أَنَّهُ قَرِيبٌ ، يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي ، عَلِمُوا قُرْبَهُ مِنْهُمْ ، وَتَمَكُّنَهُمْ مِنْ سُؤَالِهِ - : وَعَلِمُوا عِلْمَهُ
[ ص: 682 ] وَرَحْمَتَهْ وَقُدْرَتَهُ ، فَدَعَوْهُ دُعَاءَ الْعِبَادَةِ فِي حَالٍ ، وَدُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالٍ ، [ وَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا فِي حَالٍ ] ، إِذِ الدُّعَاءُ اسْمٌ يَجْمَعُ الْعِبَادَةَ وَالِاسْتِعَانَةَ ، وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غَافِرٍ : 60 ] بِالدُّعَاءِ ، الَّذِي هُوَ الْعِبَادَةُ ، وَالدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ . وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [ غَافِرٍ : 60 ] - يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ .
الْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ السُّؤَالِ أَعَمُّ مِنْ إِعْطَاءِ عَيْنِ السُّؤَالِ ، كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964523مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ . إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، أَوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَهَا ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ . فَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ
[ ص: 683 ] الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَةِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْعُدْوَانِ مِنْ إِعْطَاءِ السُّؤَالِ مُعَجَّلًا ، أَوْ مِثْلِهِ مِنَ الْخَيْرِ مُؤَجَّلًا ، أَوْ يَصْرِفُ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ .
الْجَوَابُ الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28684الدُّعَاءَ سَبَبٌ مُقْتَضٍ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ ، وَالسَّبَبُ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ ، فَإِذَا حَصَلَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ ، وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ غَيْرُهُ . وَهَكَذَا سَائِرُ الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ ، مِنَ الْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا جَلْبُ مَنَافِعَ أَوْ دَفْعُ مَضَارَّ ، فَإِنَّ الْكَلِمَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فِي يَدِ الْفَاعِلِ ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوَّتِهِ وَمَا يُعِينُهَا ، وَقَدْ يُعَارِضُهَا مَانِعٌ مِنَ الْمَوَانِعِ . وَنُصُوصُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظَّاهِرِ - : مِنْ هَذَا الْبَابِ . وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ أَدْعِيَةً دَعَا بِهَا قَوْمٌ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ ، وَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ ، جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ ، أَوْ صَادَفَ وَقْتَ إِجَابَةٍ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ - فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءِ ، فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي .
وَهَذَا كَمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَوَاءً نَافِعًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي ، فَانْتَفَعَ بِهِ ، فَظَنَّ آخَرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا الدَّوَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ ، فَكَانَ غَالِطًا .
وَكَذَا قَدْ يَدْعُو بِاضْطِرَارٍ عِنْدَ قَبْرٍ ، فَيُجَابُ ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرَارِ وَصِدْقِ اللَّجْءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
[ ص: 684 ] nindex.php?page=treesubj&link=28791فَالْأَدْعِيَةُ وَالتَّعَوُّذَاتِ وَالرُّقَى بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ ، وَالسِّلَاحُ بِضَارِبِهِ ، لَا بِحَدِّهِ فَقَطْ ، فَمَتَى كَانَ السِّلَاحُ سِلَاحًا تَامًّا وَالسَّاعِدُ سَاعِدًا قَوِيًّا ، وَالْمَحَلُّ قَابِلًا ، وَالْمَانِعُ مَفْقُودًا - : حَصَلَتْ بِهِ النِّكَايَةُ فِي الْعَدُوِّ ، وَمَتَى تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تَخَلَّفَ التَّأْثِيرُ .
فَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ صَالِحٍ ، أَوِ الدَّاعِي لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فِي الدُّعَاءِ ، أَوْ كَانَ ثَمَّ مَانَعٌ مِنَ الْإِجَابَةِ - : لَمْ يَحْصُلِ الْأَثَرُ .
قَوْلُهُ : ( وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَلَا يَمْلِكُهُ شَيْءٌ . وَلَا غِنَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَقَدْ كَفَرَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الْحَيْنِ ) .
ش : كَلَامٌ حَقٌّ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ . وَالْحَيْنُ ، بِالْفَتْحِ : الْهَلَاكُ .