فمما استدلت به
الجبرية ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] . فنفى الله عن نبيه الرمي ، وأثبته لنفسه سبحانه ، فدل على أنه لا صنع للعبد . قالوا : والجزاء غير مرتب على الأعمال ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964501لن يدخل أحد الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .
ومما استدل به
القدرية ، قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله أحسن الخالقين [ ص: 642 ] [ المؤمنون : 14 ] . قالوا : والجزاء مرتب على الأعمال ترتيب العوض ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=14جزاء بما كانوا يعملون [ فصلت : 17 ] و [ الأحقاف : 14 ] و [ الواقعة : 24 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=72وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون [ الزخرف : 72 ] . ونحو ذلك .
فأما ما استدلت به الجبرية من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ الأنفال : 17 ] - فهو دليل عليهم ، لأنه تعالى أثبت لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ] رميا ، بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17إذ رميت فعلم أن المثبت غير المنفي ، وذلك أن الرمي له ابتداء وانتهاء : فابتداؤه الحذف ، وانتهاؤه الإصابة ، وكل منهما يسمى رميا ، فالمعنى حينئذ - والله تعالى أعلم : وما أصبت إذ حذفت ولكن الله أصاب . وإلا فطرد قولهم : وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى ! وما صمت إذ صمت ! وما زنيت إذ زنيت ! وما سرقت إذ سرقت ! ! وفساد هذا ظاهر .
وأما ترتب
nindex.php?page=treesubj&link=30239_29468_28836الجزاء على الأعمال ، فقد ضلت فيه
الجبرية والقدرية ،
[ ص: 643 ] وهدى الله
أهل السنة ، وله الحمد والمنة . فإن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات ، فالمنفي في قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=964502لن يدخل الجنة أحد بعمله " باء العوض ، وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة ، كما زعمت
المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة على ربه بعمله ! بل ذلك برحمة الله وفضله . والباء التي في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17جزاء بما كانوا يعملون [ فصلت : 17 ] ونحوها ، باء السبب ، أي بسبب عملكم ، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات ، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته .
فَمِمَّا اسْتَدَلَّتْ بِهِ
الْجَبْرِيَّةُ ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [ الْأَنْفَالِ : 17 ] . فَنَفَى اللَّهُ عَنْ نَبِيِّهِ الرَّمْيَ ، وَأَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ سُبْحَانَهُ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ . قَالُوا : وَالْجَزَاءُ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى الْأَعْمَالِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964501لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ ، قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَلَا أَنَا ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ .
وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ
الْقَدَرِيَّةُ ، قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [ ص: 642 ] [ الْمُؤْمِنُونَ : 14 ] . قَالُوا : وَالْجَزَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْأَعْمَالِ تَرْتِيبَ الْعِوَضِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=14جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ فُصِّلَتْ : 17 ] وَ [ الْأَحْقَافِ : 14 ] وَ [ الْوَاقِعَةِ : 24 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=72وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ الزُّخْرُفِ : 72 ] . وَنَحْوُ ذَلِكَ .
فَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّتْ بِهِ الْجَبْرِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [ الْأَنْفَالِ : 17 ] - فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِمْ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ لِرَسُولِهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] رَمْيًا ، بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17إِذْ رَمَيْتَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُثْبَتَ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّمْيَ لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ : فَابْتِدَاؤُهُ الْحَذْفُ ، وَانْتِهَاؤُهُ الْإِصَابَةُ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى رَمْيًا ، فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ : وَمَا أَصَبْتَ إِذْ حَذَفْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَصَابَ . وَإِلَّا فَطَرْدُ قَوْلِهِمْ : وَمَا صَلَّيْتَ إِذْ صَلَّيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ صَلَّى ! وَمَا صُمْتَ إِذْ صُمْتَ ! وَمَا زَنَيْتَ إِذْ زَنَيْتَ ! وَمَا سَرَقْتَ إِذْ سَرَقْتَ ! ! وَفَسَادُ هَذَا ظَاهِرٌ .
وَأَمَّا تَرَتُّبُ
nindex.php?page=treesubj&link=30239_29468_28836الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ ، فَقَدْ ضَلَّتْ فِيهِ
الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ ،
[ ص: 643 ] وَهَدَى اللَّهُ
أَهْلَ السُّنَّةِ ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . فَإِنَّ الْبَاءَ الَّتِي فِي النَّفْيِ غَيْرُ الْبَاءِ الَّتِي فِي الْإِثْبَاتِ ، فَالْمَنْفِيُّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=964502لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ " بَاءُ الْعِوَضِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ كَالثَّمَنِ لِدُخُولِ الرَّجُلِ إِلَى الْجَنَّةِ ، كَمَا زَعَمَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّ الْعَامِلَ مُسْتَحِقٌّ دُخُولَ الْجَنَّةِ عَلَى رَبِّهِ بِعَمَلِهِ ! بَلْ ذَلِكَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ . وَالْبَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ فُصِّلَتْ : 17 ] وَنَحْوُهَا ، بَاءُ السَّبَبِ ، أَيْ بِسَبَبِ عَمَلِكُمْ ، وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبِّبَاتِ ، فَرَجَعَ الْكُلُّ إِلَى مَحْضِ فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ .