حديث آخر ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك ولم يقع لي .
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28730_24400_30387 " دخلت على ربي في جنة عدن شابا جعدا في ثوبين أخضرين " [ ص: 474 ] .
اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في جواز دخوله عليه الجنة ، على وجه لا يوجب الجهة والحد ، كما جاز وصفه بالاستواء على العرش لا على معنى الجهة ، وجواز رؤيته في الآخرة لا في جهة ، ولأنه قد قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=30ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ) فإذا جاز إطلاق الوقوف عليه; كان إطلاق الدخول عليه أولى .
وأما الصفة التي ذكرها فقد تقدم في أول الكتاب ذكرها في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأم الطفيل ، وبينا أنه غير ممتنع إطلاق ذلك عليه ، لا على وجه التشبيه والأبعاض والأجزاء بل نطلق ذلك صفة ، كما أطلقنا صفة الوجه واليدين والعين ونحو ذلك ، لا على وجه الأبعاض والأجزاء فإن قيل : قوله : " دخلت على ربي " معناه : دخلت دار ربي وجنة ربي بتقريبه لي وإكرامه إياي ، كما يقال في الموسم : أتيناك ربنا شعثا غبرا من كل فج عميق لتغفر لنا ، ويقال : أقبل الله على فلان بالكرامة ، وأقبل فلان على الله بطاعته ، وكما يقال :
[ ص: 475 ] دخل فلان على رأي فلان ، ويقال : دخل علي فلان في منزلي ، لا أنه دخل على بدنه ، وإنما المعنى دخل داره .
قيل : هذا غلط ، لأنه قصد بذلك الافتخار وقرب المنزلة ، فإذا حملناه على دخول الجنة بطل ذلك المعنى ، لأنه يشركه فيه غيره من الأنبياء والأولياء ، وقول الناس أتيناك فقد فهم المقصود منه ، وهو أنهم أتوه راغبين في ثوابه فإن قيل : قوله " شابا " يحتمل أن يكون رأى فيها شابا وليا من أوليائه على هذه الصفة ، دون أن يكون المذكور هو الله تعالى ، ويحتمل أن تكون الصفة راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال : وأنا شاب جعد .
قيل : هذا غلط ، أما حمله على أنه رأى فيها شابا فلا يصح ، لأن هذا صفة وحال ، والصفة والحال يرجع إلى ما تقدم ذكره وهو الله تعالى ، فأما بعض أوليائه فلم يتقدم ذكره ، فلا يجوز حمله عليه وقولهم : إن الصفة راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح أيضا ، لأنه لم تكن هذه صفته في تلك الليلة ، ولو تغيرت صفته فيها لنقل كما نقل وضع اليد بين كتفيه ، وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=702971فيم يختصم الملأ الأعلى " وقد تكلمنا على هذا السؤال في أول الكتاب في قوله : " رأيت ربي " .
فإن قيل : هذا الخبر كان رؤيا منام ، والشيء يرى في المنام على خلاف ما يكون قيل : هذا غلط ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد بذلك بيان كرامته من ربه وقرب منزلته ، فإذا حمل على خلاف ما أخبر زال المقصود ، ولأن ما يخبر به شرع ، وصفات الله تعالى اعتقادها شرع ، فهو معصوم فيه ، وإذا كان معصوما استوى فيه المنام وغيره ، ولأنا قد بينا أن رؤيا الأنبياء وحي لأن أعينهم تنام وقلوبهم لا تنام
[ ص: 476 ] .
حَدِيثٌ آخَرُ ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13428ابْنُ فُورَكَ وَلَمْ يَقَعْ لِي .
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28730_24400_30387 " دَخَلْتُ عَلَى رَبِّي فِي جَنَّةِ عَدْنٍ شَابًّا جَعْدًا فِي ثَوْبَيْنِ أَخْضَرَيْنِ " [ ص: 474 ] .
اعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي جَوَازِ دُخُولِهِ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ الْجِهَةَ وَالْحَدَّ ، كَمَا جَازَ وَصْفُهُ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ لَا عَلَى مَعْنَى الْجِهَةِ ، وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي جِهَةٍ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=30وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ ) فَإِذَا جَازَ إِطْلَاقُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ; كَانَ إِطْلَاقُ الدُّخُولِ عَلَيْهِ أَوْلَى .
وَأَمَّا الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ الطُّفَيْلِ ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، لَا عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ وَالْأَبْعَاضِ وَالْأَجْزَاءِ بَلْ نُطْلِقُ ذَلِكَ صِفَةً ، كَمَا أَطْلَقْنَا صِفَةَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لَا عَلَى وَجْهِ الْأَبْعَاضِ وَالْأَجْزَاءِ فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ : " دَخَلْتُ عَلَى رَبِّي " مَعْنَاهُ : دَخَلْتُ دَارَ رَبِّي وَجَنَّةَ رَبِّي بِتَقْرِيبِهِ لِي وَإِكْرَامِهِ إِيَّايَ ، كَمَا يُقَالُ فِي الْمَوْسِمِ : أَتَيْنَاكَ رَبَّنَا شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِتَغْفِرَ لَنَا ، وَيُقَالُ : أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَى فُلَانٍ بِالْكَرَامَةِ ، وَأَقْبَلَ فُلَانٌ عَلَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ ، وَكَمَا يُقَالُ :
[ ص: 475 ] دَخَلَ فُلَانٌ عَلَى رَأْيِ فُلَانٍ ، وَيُقَالُ : دَخَلَ عَلَيَّ فُلَانٌ فِي مَنْزِلِي ، لَا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى بَدَنِهِ ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى دَخَلَ دَارَهُ .
قِيلَ : هَذَا غَلَطٌ ، لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ الِافْتِخَارَ وَقُرْبَ الْمَنْزِلَةِ ، فَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ بَطَلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ، لِأَنَّهُ يَشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ ، وَقَوْلُ النَّاسِ أَتَيْنَاكَ فَقَدْ فُهِمَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أَتَوْهُ رَاغِبِينَ فِي ثَوَابِهِ فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ " شَابًّا " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى فِيهَا شَابًّا وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ، دُونَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ رَاجِعَةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَأَنَا شَابٌّ جَعْدٌ .
قِيلَ : هَذَا غَلَطٌ ، أَمَّا حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ رَأَى فِيهَا شَابًّا فَلَا يَصِحُّ ، لِأَنَّ هَذَا صِفَةٌ وَحَالٌ ، وَالصِّفَةُ وَالْحَالُ يَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَأَمَّا بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ الصِّفَةَ رَاجِعَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ صِفَتَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ فِيهَا لِنُقِلَ كَمَا نُقِلَ وَضْعُ الْيَدِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=702971فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى " وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا السُّؤَالِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ : " رَأَيْتُ رَبِّي " .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا الْخَبَرُ كَانَ رُؤْيَا مَنَامٍ ، وَالشَّيْءُ يُرَى فِي الْمَنَامِ عَلَى خِلَافِ مَا يَكُونُ قِيلَ : هَذَا غَلَطٌ ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ بَيَانَ كَرَامَتِهِ مِنْ رَبِّهِ وَقُرْبَ مَنْزِلَتِهِ ، فَإِذَا حُمِلَ عَلَى خِلَافِ مَا أَخْبَرَ زَالَ الْمَقْصُودُ ، وَلِأَنَّ مَا يُخْبِرُ بِهِ شَرْعٌ ، وَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى اعْتِقَادُهَا شَرْعٌ ، فَهُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ مَعْصُومًا اسْتَوَى فِيهِ الْمَنَامُ وَغَيْرُهُ ، وَلِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ لِأَنَّ أَعْيُنَهُمْ تَنَامُ وَقُلُوبَهُمْ لَا تَنَامُ
[ ص: 476 ] .