568 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، ثنا
أبو سلمة الحراني ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وشريك ، وأبو بكر بن عياش ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد : " الإيمان المعرفة ، والإقرار ، والعمل إلا أن
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد يفرق بين الإيمان والإسلام ، يجعل الإيمان خاصا ، والإسلام عاما " .
* قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : قالوا : فلنا في هؤلاء أسوة ، وبهم قدوة ، مع ما يثبت ذلك من النظر ، وذلك أن الله جعل اسم المؤمن اسم ثناء وتزكية ، ومدحة ، أوجب عليه الجنة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وكان بالمؤمنين رحيما nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=44تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=12يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ) الآية .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يوم لا يخزي الله النبي ، والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم ، وبأيمانهم ) .
[ ص: 513 ]
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وعد الله المؤمنين ، والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ) .
قال : ثم
nindex.php?page=treesubj&link=28649_30437_28652أوجب الله النار على الكبائر ، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن من أتى كبيرة ، قالوا : ولم نجد الله أوجب الجنة باسم الإسلام ، فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على حاله ، واسم الإيمان زائل عنه .
فإن قيل لهم في قولهم هذا : ليس الإيمان ضد الكفر .
قالوا : الكفر ضد لأصل الإيمان ، لأن للإيمان أصلا ، وفرعا ، فلا يثبت الكفر حتى يزول أصل الإيمان الذي هو ضد الكفر .
فإن قيل لهم : فالذي زعمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم أزال عنه اسم الإيمان ، هل فيه من الإيمان شيء ؟ !قالوا : نعم أصله ثابت ، ولولا ذلك لكفر ، ألم تسمع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، أنكر على الذي شهد أنه مؤمن ، ثم قال : لكنا نؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، يخبرك أنه قد آمن من جهة أنه قد صدق ، وأنه لا يستحق اسم المؤمن إذ كان يعلم أنه مقصر ، لأنه لا يستحق هذا الاسم عنده إلا من أدى ما وجب ، وانتهى عما حرم عليه من الموجبات للنار التي هي الكبائر .
قالوا : فلما أبان الله أن هذا الاسم يستحقه من قد استحق
[ ص: 514 ] الجنة ، وأن الله قد أوجب الجنة عليه ، وعلمنا أنا قد آمنا وصدقنا ، لأنه لا يخرج من التكذيب إلا بالتصديق ، ولسنا بشاكين ، ولا مكذبين ، وعلمنا أنا له عاصون مستوجبون للعذاب ، وهو ضد الثواب الذي حكم الله به للمؤمنين على اسم الإيمان ، علمنا أنا قد آمنا ، وأمسكنا عن الاسم الذي أثبت الله عليه الحكم بالجنة ، وهو من الله اسم ثناء وتزكية ، وقد نهانا الله أن نزكي أنفسنا ، وأمرنا بالخوف على أنفسنا ، وأوجب لنا العذاب بعصياننا ، فعلمنا أنا لسنا بمستحقين بأن نتسمى مؤمنين ، إذ أوجب الله على اسم الإيمان الثناء ، والتزكية ، والرحمة ، والرأفة ، والمغفرة ، والجنة ، وأوجب على الكبائر النار ، وهذان حكمان يتضادان .
فإن قيل : فكيف أمسكتم عن اسم الإيمان أن تسموا به ، وأنتم تزعمون أن أصل الإيمان في قلوبكم ، وهو التصديق بأن الله حق ، وما قاله صدق ؟ !قالوا : إن الله ، ورسوله ، وجماعة المسلمين سموا الأشياء بما غلب عليها من الأسماء ، فسموا الزاني فاسقا ، والقاذف فاسقا ، وشارب الخمر فاسقا ، ولم يسموا واحدا من هؤلاء متقيا ، ولا ورعا ، وقد أجمع المسلمون أن فيه أصل التقى ، والورع ، وذلك أنه يتقي أن يكفر ، أو يشرك بالله شيئا ، وكذلك يتقي الله أن يترك الغسل من الجنابة ، أو الصلاة ، ويتقي أن يأتي أمه ، فهو في
[ ص: 515 ] جميع ذلك متق ، وقد أجمع المسلمون من المخالفين ، والموافقين أنهم لا يسمونه متقيا ، ولا ورعا إذا كان يأتي بالفجور ، فلما أجمعوا أن أصل التقى ، والورع ثابت فيه ، وأنه قد يزيد فيه فروعا بعد الأصل كتورعه عن إتيان المحارم ، ثم لا يسمونه متقيا ، ولا ورعا مع إتيانه بعض الكبائر ، وسموه فاسقا ، وفاجرا مع علمهم أنه قد أتى بعض التقى ، والورع ، فمنعهم من ذلك أن اسم التقى اسم ثناء وتزكية ، وأن الله قد أوجب عليه المغفرة ، والجنة .
قالوا : فكذلك لا نسميه مؤمنا ، ونسميه فاسقا زانيا ، وإن كان أصل في قلبه اسم الإيمان ، لأن الإيمان اسم أثنى الله به على المؤمنين ، وزكاهم به ، فأوجب عليه الجنة ، فمن ثم قلنا : مسلم ، ولم نقل : مؤمن .
قالوا : ولو كان أحد من المسلمين الموحدين يستحق أن لا يكون في قلبه إيمان ، ولا إسلام من الموحدين لكان أحق الناس بذلك أهل النار الذين دخلوها ، فلما وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن الله يقول :
" أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ثبت أن شر المسلمين في قلبه
[ ص: 516 ] إيمان ، ولما وجدنا الأمة يحكم عليهم بالأحكام التي ألزمها الله المسلمين ، ولا يكفرونهم ، ولا يشهدون لهم بالجنة ، ثبت أنهم مسلمون ، إذ أجمعوا أن يمضوا عليهم أحكام المسلمين ، وأنهم لا يستحقون أن يسموا مؤمنين ، إذ كان الإسلام ثبتا للملة التي يخرج بها المسلم من جميع الملل ، فتزول عنه أسماء الملل ، إلا اسم الإسلام ، وتثبت أحكام الإسلام عليه ، وتزول عنه أحكام جميع الملل .
فإن قال لهم قائل : لم لم تقولوا : كافرون إن شاء الله ، تريدون به كمال الكفر ، كما قلتم : مؤمنين إن شاء الله ، تريدون به كمال الإيمان ؟ قالوا : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28649الكافر منكر للحق ، والمؤمن أصلي الإقرار ، والإنكار لا أول له ولا آخر ، فينتظر به الحقائق .
والإيمان أصله التصديق ، والإقرار ينتظر به حقائق الأداء لما أقر ، والتحقيق لما صدق ، ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل ، فسأل أحدهما حقه ، فقال : ليس لك عندي حق ، فأنكر ، وجحد ، فلم تبق له منزلة يحقق بها ما قال إذ جحد ، وأنكر ، وسأل الآخر حقه ، فقال : نعم ، لك علي كذا وكذا ، فليس إقراره بالذي
[ ص: 517 ] يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه ، وهو منتظر له أن يحقق ما قال إلا بأدائه ، ويصدق إقراره بالوفاء ، ولو أقر ، ثم لم يؤد حقه كان كمن جحده في المعنى ، إذا استويا في الترك للأداء ، فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه ، فإن أدى جزءا منه حقق بعض ما قال ، ووفى ببعض ما أقر به ، وكلما أدى جزءا ، ازداد تحقيقا لما أقر به ، وعلى المؤمن الأداء أبدا لما أقر به حتى يموت ، فمن ثم قلنا : " مؤمن إن شاء الله " ، ولم يقل : " كافر إن شاء الله " .
568 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15106إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، ثَنَا
أَبُو سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ ، قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ ، وَشَرِيكٌ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=15744وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=15743وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ : " الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ ، وَالْإِقْرَارُ ، وَالْعَمَلُ إِلَّا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15743حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، يَجْعَلُ الْإِيمَانَ خَاصًّا ، وَالْإِسْلَامَ عَامًّا " .
* قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَالُوا : فَلَنَا فِي هَؤُلَاءِ أُسْوَةٌ ، وَبِهِمْ قُدْوَةٌ ، مَعَ مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ مِنَ النَّظَرِ ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ اسْمَ الْمُؤْمِنِ اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ ، وَمِدْحَةٍ ، أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=43وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=44تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=12يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ) الْآيَةَ .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَبِأَيْمَانِهِمْ ) .
[ ص: 513 ]
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) .
قَالَ : ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28649_30437_28652أَوْجَبَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ ، فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً ، قَالُوا : وَلَمْ نَجِدِ اللَّهَ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ ، فَثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْإِسْلَامِ لَهُ ثَابِتٌ عَلَى حَالِهِ ، وَاسْمَ الْإِيمَانِ زَائِلٌ عَنْهُ .
فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا : لَيْسَ الْإِيمَانُ ضِدَّ الْكُفْرِ .
قَالُوا : الْكُفْرُ ضِدٌّ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ ، لِأَنَّ لِلْإِيمَانِ أَصْلًا ، وَفَرْعًا ، فَلَا يَثْبُتُ الْكُفْرُ حَتَّى يَزُولَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ .
فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ : فَالَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزَالَ عَنْهُ اسْمَ الْإِيمَانِ ، هَلْ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ ؟ !قَالُوا : نَعَمْ أَصْلُهُ ثَابِتٌ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَفَرَ ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنْكَرَ عَلَى الَّذِي شَهِدَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ، ثُمَّ قَالَ : لَكِنَّا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، يُخْبِرُكَ أَنَّهُ قَدْ آمَنَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَ ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُؤْمِنِ إِذْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُقَصِّرٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ عِنْدَهُ إِلَّا مَنْ أَدَّى مَا وَجَبَ ، وَانْتَهَى عَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُوجِبَاتِ لِلنَّارِ الَّتِي هِيَ الْكَبَائِرُ .
قَالُوا : فَلَمَّا أَبَانَ اللَّهُ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ قَدِ اسْتَحَقَّ
[ ص: 514 ] الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ عَلَيْهِ ، وَعَلِمْنَا أَنَّا قَدْ آمَنَّا وَصَدَّقْنَا ، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ التَّكْذِيبِ إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ ، وَلَسْنَا بِشَاكِّينَ ، وَلَا مُكَذِّبِينَ ، وَعَلِمْنَا أَنَّا لَهُ عَاصُونَ مُسْتَوْجِبُونَ لِلْعَذَابِ ، وَهُوَ ضِدُّ الثَّوَابِ الَّذِي حَكَمَ اللَّهُ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ ، عَلِمْنَا أَنَّا قَدْ آمَنَّا ، وَأَمْسَكْنَا عَنِ الِاسْمِ الَّذِي أَثْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِالْجَنَّةِ ، وَهُوَ مِنَ اللَّهِ اسْمُ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ ، وَقَدْ نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نُزَكِّيَ أَنْفُسَنَا ، وَأَمَرَنَا بِالْخَوْفِ عَلَى أَنْفُسِنَا ، وَأَوْجَبَ لَنَا الْعَذَابَ بِعِصْيَانِنَا ، فَعَلِمْنَا أَنَّا لَسْنَا بِمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْ نَتَسَمَّى مُؤْمِنِينَ ، إِذْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى اسْمِ الْإِيمَانِ الثَّنَاءَ ، وَالتَّزْكِيَةَ ، وَالرَّحْمَةَ ، وَالرَّأْفَةَ ، وَالْمَغْفِرَةَ ، وَالْجَنَّةَ ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْكَبَائِرِ النَّارَ ، وَهَذَانِ حُكْمَانِ يَتَضَادَّانِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ أَمْسَكْتُمْ عَنِ اسْمِ الْإِيمَانِ أَنْ تُسَمَّوْا بِهِ ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّ اللَّهَ حَقٌّ ، وَمَا قَالَهُ صِدْقٌ ؟ !قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ ، وَرَسُولَهُ ، وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوُا الْأَشْيَاءَ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ ، فَسَمَّوُا الزَّانِيَ فَاسِقًا ، وَالْقَاذِفَ فَاسِقًا ، وَشَارِبَ الْخَمْرِ فَاسِقًا ، وَلَمْ يُسَمُّوا وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ مُتَّقِيًا ، وَلَا وَرِعًا ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فِيهِ أَصْلَ التُّقَى ، وَالْوَرَعِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَتَّقِي أَنْ يَكْفُرَ ، أَوْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَكَذَلِكَ يَتَّقِي اللَّهَ أَنْ يَتْرُكَ الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ ، أَوِ الصَّلَاةِ ، وَيَتَّقِي أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ ، فَهُوَ فِي
[ ص: 515 ] جَمِيعِ ذَلِكَ مُتَّقٍ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُخَالِفِينَ ، وَالْمُوَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَهُ مُتَّقِيًا ، وَلَا وَرِعًا إِذَا كَانَ يَأْتِي بِالْفُجُورِ ، فَلَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ أَصْلَ التُّقَى ، وَالْوَرَعِ ثَابِتٌ فِيهِ ، وَأَنَّهُ قَدْ يَزِيدُ فِيهِ فُرُوعًا بَعْدَ الْأَصْلِ كَتَوَرُّعِهِ عَنْ إِتْيَانِ الْمَحَارِمِ ، ثُمَّ لَا يُسَمُّونَهُ مُتَّقِيًا ، وَلَا وَرِعًا مَعَ إِتْيَانِهِ بَعْضَ الْكَبَائِرِ ، وَسَمُّوهُ فَاسِقًا ، وَفَاجِرًا مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بَعْضَ التُّقَى ، وَالْوَرَعِ ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ التُّقَى اسْمَ ثَنَاءٍ وَتَزْكِيَةٍ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةَ ، وَالْجَنَّةَ .
قَالُوا : فَكَذَلِكَ لَا نُسَمِّيهِ مُؤْمِنًا ، وَنُسَمِّيهِ فَاسِقًا زَانِيًا ، وَإِنْ كَانَ أُصِّلَ فِي قَلْبِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ اسْمٌ أَثْنَى اللَّهُ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَزَكَّاهُمْ بِهِ ، فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا : مُسْلِمٌ ، وَلَمْ نَقُلْ : مُؤْمِنٌ .
قَالُوا : وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُوَحِّدِينَ يَسْتَحِقُّ أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَلْبِهِ إِيمَانٌ ، وَلَا إِسْلَامٌ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ لَكَانَ أَحَقُّ النَّاسِ بِذَلِكَ أَهْلَ النَّارِ الَّذِينَ دَخَلُوهَا ، فَلَمَّا وَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
" أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ " ثَبَتَ أَنَّ شَرَّ الْمُسْلِمِينَ فِي قَلْبِهِ
[ ص: 516 ] إِيمَانٌ ، وَلَمَّا وَجَدْنَا الْأُمَّةَ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا يُكَفِّرُونَهُمْ ، وَلَا يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ، ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ ، إِذْ أَجْمَعُوا أَنْ يُمْضُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُسَمَّوْا مُؤْمِنِينَ ، إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ ثَبْتًا لِلْمِلَّةِ الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا الْمُسْلِمُ مِنْ جَمِيعِ الْمِلَلِ ، فَتَزُولُ عَنْهُ أَسْمَاءُ الْمِلَلِ ، إِلَّا اسْمَ الْإِسْلَامِ ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ ، وَتَزُولُ عَنْهُ أَحْكَامُ جَمِيعِ الْمِلَلِ .
فَإِنْ قَالَ لَهُمْ قَائِلٌ : لِمَ لَمْ تَقُولُوا : كَافِرُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْكُفْرِ ، كَمَا قُلْتُمْ : مُؤْمِنِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، تُرِيدُونَ بِهِ كَمَالَ الْإِيمَانِ ؟ قَالُوا : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28649الْكَافِرَ مُنْكِرٌ لِلْحَقِّ ، وَالْمُؤْمِنَ أَصْلِيُّ الْإِقْرَارِ ، وَالْإِنْكَارِ لَا أَوَّلَ لَهُ وَلَا آخِرَ ، فَيَنْتَظِرُ بِهِ الْحَقَائِقَ .
وَالْإِيمَانُ أَصْلُهُ التَّصْدِيقُ ، وَالْإِقْرَارُ يَنْتَظِرُ بِهِ حَقَائِقَ الْأَدَاءِ لِمَا أَقَرَّ ، وَالتَّحْقِيقُ لِمَا صَدَّقَ ، وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا حَقٌّ لِرَجُلٍ ، فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ ، فَقَالَ : لَيْسَ لَكَ عِنْدِي حَقٌّ ، فَأَنْكَرَ ، وَجَحَدَ ، فَلَمْ تَبْقَ لَهُ مَنْزِلَةٌ يُحَقِّقُ بِهَا مَا قَالَ إِذْ جَحَدَ ، وَأَنْكَرَ ، وَسَأَلَ الْآخَرَ حَقَّهُ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، لَكَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا ، فَلَيْسَ إِقْرَارُهُ بِالَّذِي
[ ص: 517 ] يَصِلُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ حَقُّهُ دُونَ أَنْ يُوَفِّيَهُ ، وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهُ أَنْ يُحَقِّقَ مَا قَالَ إِلَّا بِأَدَائِهِ ، وَيَصْدُقُ إِقْرَارُهُ بِالْوَفَاءِ ، وَلَوْ أَقَرَّ ، ثُمَّ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّهُ كَانَ كَمَنْ جَحَدَهُ فِي الْمَعْنَى ، إِذَا اسْتَوَيَا فِي التَّرْكِ لِلْأَدَاءِ ، فَتَحْقِيقُ مَا قَالَ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ حَقَّهُ ، فَإِنْ أَدَّى جُزْءًا مِنْهُ حَقَّقَ بَعْضَ مَا قَالَ ، وَوَفَى بِبَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ ، وَكُلَّمَا أَدَّى جُزْءًا ، ازْدَادَ تَحْقِيقًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ ، وَعَلَى الْمُؤْمِنِ الْأَدَاءُ أَبَدًا لِمَا أَقَرَّ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ ، فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا : " مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ، وَلَمْ يَقُلْ : " كَافِرٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ " .