فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28733معرفة الملائكة
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14164الحليمي رحمه الله تعالى : " من الناس من ذهب إلى أن الأحياء العقلاء الناطقين فريقان : إنس وجن ، وكل واحد من الفريقين صنفان أخيار وأشرار ، فأخيار الإنس يدعون أبرارا ، ثم ينقسمون إلى رسل وغير رسل ، وأشرارهم يدعون فجارا ثم ينقسمون إلى كفار ، وغير كفار .
nindex.php?page=treesubj&link=28793_28733وأخيار الجن يسمون ملائكة ، ثم ينقسمون إلى رسل وغير رسل ، وأشرارهم يدعون شياطين ، ثم قد يستعار هذا الاسم لفجار الإنس تشبيها لهم بفجار الجن .
وقد يحتمل هذا التقسيم وجها آخر وهو : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28793الجن منهم سكان الأرض ، ومنهم سكان السماء فالذين هم سكان السماء يدعون الملأ الأعلى ، ويدعون الملائكة ، والذين هم سكان الأرض هم الجن بالإطلاق ، وينقسمون إلى أخيار وفجار ، ومؤمنين ، وكافرين ، وإنما قيل للملأ الأعلى ملائكة ؛ لأنهم مستصلحون للرسالة التي تسمى ألوكا .
وأكثر الناس على أن الملك أصله مالك ، وأن ملاك مقلوب ، وأنه قيل : الواحد الملائكة مالك ، بمعنى أنه موضع للرسالة بكونه مصطفى مختارا للسماء أن يسكنها إذ كانت الرسالة منها تأتي سكان الأرض .
ومن ذهب إلى هذا قال : أخبر
nindex.php?page=treesubj&link=34105الله عز وجل أنه أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس فلو لم يكن من الملائكة لم يكن لاستثنائه منهم معنى ، ثم قال في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) فأبان أن
[ ص: 298 ] المأمورين بالسجود كانوا طبقة واحدة إلا أن إبليس لما عصى ، ولعن صار من الجن الذين يسكنون الأرض .
وأيضا فإن الله عز وجل أخبر عن الكفار الذين قالوا : إن الملائكة بنات الله فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) فدل ذلك على أن الملائكة من الجن ، وأن النسب الذي جعلوه بين الله تعالى وبين الجن قولهم الملائكة بنات الله تعالى عما قالوا علوا كبيرا .
وأيضا فإن الإنس هم الظاهرون والجن هم المجتنون ، والملائكة مجتنون ، وأيضا فإن الله تعالى لما وصف الخلائق قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=14خلق الإنسان من صلصال كالفخار nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=15وخلق الجان من مارج من نار ) فلو كانت الملائكة صنفا ثالثا لما كان يدع أشراف الخلائق فلا يتمدح بالقدرة على خلقه .
قال : " ومن خالف هذا القول قال إن سكان الأرض ينقسمون إلى إنس وجن ، فأما من خرج عن هذا الحد لم يلحقه اسم الإنس وإن كان مرئيا ، ولا اسم الجن ، وإن كان غير مرئي .
والذي يدل على أن الملائكة غير الجن أن الله عز وجل لما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أخبر الله عز وجل عن سبب مفارقته الملائكة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) فلو كان كلهم جنا لاشتركوا
[ ص: 299 ] في الامتناع عن السجود ، ولم يكن في أن إبليس كان من الجن ما يحمله على أن لا يسجد ، وفي هذا ما أبان أن الملائكة خير والجن خير وأنهما فريقان شتى ، وإنما دخل إبليس في الأمر الذي خوطبت به الملائكة ؛ لأن الله تعالى قد أذن له في مساكنة الملائكة ومجاورتهم بحسن عبادته ، وشدة اجتهاده فجرى في عدادهم ، فلما أمرت الملائكة بالسجود لآدم دخل في الجملة الملك الأصلي ، والملحق بهم غير أن مفارقته الملائكة في أصل جبلته حملته على مفارقتهم في الطاعة ، فلذلك قال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ) .
وأما قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) فيحتمل أن ذلك تسميتهم الأصنام آلهة ودعواهم أنها بنات الله عز وجل وتقربهم بعبادتها إلى الله عز وجل ، وذلك حين كان شياطين الجن يدخلون أجوافها ويكلمونهم منها ، فكانوا ينسبون ذلك الكلام إلى الله عز وجل ، فقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) ؛ لأنهم يسمون الأصنام لمكان تكليم الجنة إياهم من أجوافها آلهة ، وادعوا أنها بنات الله فأثبتوا بين الله تعالى ، وبين الجنة نسبا جهلا منهم " .
فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28733مَعْرِفَةِ الْمَلَائِكَةِ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14164الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : " مِنَ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَحْيَاءَ الْعُقَلَاءَ النَّاطِقِينَ فَرِيقَانِ : إِنْسٌ وَجِنٌّ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صِنْفَانِ أَخْيَارٌ وَأَشْرَارٌ ، فَأَخْيَارُ الْإِنْسِ يُدْعَوْنَ أَبْرَارًا ، ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى رُسُلٍ وَغَيْرِ رُسُلٍ ، وَأَشْرَارُهُمْ يُدْعَوْنَ فُجَّارًا ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى كُفَّارٍ ، وَغَيْرِ كُفَّارٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=28793_28733وَأَخْيَارُ الْجِنِّ يُسَمَّوْنَ مَلَائِكَةً ، ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى رُسُلٍ وَغَيْرِ رُسُلٍ ، وَأَشْرَارُهُمْ يُدْعَوْنَ شَيَاطِينَ ، ثُمَّ قَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا الِاسْمُ لِفُجَّارِ الْإِنْسِ تَشْبِيهًا لَهُمْ بِفُجَّارِ الْجِنِّ .
وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا التَّقْسِيمُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28793الْجِنَّ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ ، وَمِنْهُمْ سُكَّانُ السَّمَاءِ فَالَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ السَّمَاءِ يُدْعَوْنَ الْمَلَأَ الْأَعْلَى ، وَيَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ ، وَالَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ هُمُ الْجِنُّ بِالْإِطْلَاقِ ، وَيَنْقَسِمُونَ إِلَى أَخْيَارٍ وَفُجَّارٍ ، وَمُؤْمِنِينَ ، وَكَافِرِينَ ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَلَأِ الْأَعْلَى مَلَائِكَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَصْلَحُونَ لِلرِّسَالَةِ الَّتِي تُسَمَّى أَلُوكًا .
وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَصْلُهُ مَالِكٌ ، وَأَنَّ مِلَاكَ مَقْلُوبٌ ، وَأَنَّهُ قِيلَ : الْوَاحِدُ الْمَلَائِكَةُ مَالِكٌ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلرِّسَالَةِ بِكَوْنِهِ مُصْطَفًى مُخْتَارًا لِلسَّمَاءِ أَنْ يَسْكُنَهَا إِذْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ مِنْهَا تَأْتِي سُكَّانَ الْأَرْضِ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَالَ : أَخْبَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=34105اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُمْ مَعْنًى ، ثُمَّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) فَأَبَانَ أَنَّ
[ ص: 298 ] الْمَأْمُورِينَ بِالسُّجُودِ كَانُوا طَبَقَةً وَاحِدَةً إِلَّا أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا عَصَى ، وَلُعِنَ صَارَ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ الْأَرْضَ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عَنِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنَ الْجِنِّ ، وَأَنَّ النَّسَبِ الَّذِي جَعَلُوهُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْجِنِّ قَوْلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا قَالُوا عُلُوًّا كَبِيرًا .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِنْسَ هُمُ الظَّاهِرُونَ وَالْجِنَّ هُمُ الْمُجْتَنُّونَ ، وَالْمَلَائِكَةُ مُجْتَنُّونَ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْخَلَائِقَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=14خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=15وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ) فَلَوْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ صِنْفًا ثَالِثًا لَمَا كَانَ يَدَعُ أَشْرَافَ الْخَلَائِقِ فَلَا يَتَمَدَّحُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى خَلْقِهِ .
قَالَ : " وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ إِنَّ سُكَّانَ الْأَرْضِ يَنْقَسِمُونَ إِلَى إِنْسٍ وَجِنٍّ ، فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَمْ يَلْحَقْهُ اسْمُ الْإِنْسِ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا ، وَلَا اسْمُ الْجِنِّ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْئِيٍّ .
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ الْجِنِّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ سَبَبِ مُفَارَقَتِهِ الْمَلَائِكَةَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) فَلَوْ كَانَ كُلُّهُمْ جِنًّا لَاشْتَرَكُوا
[ ص: 299 ] فِي الِامْتِنَاعِ عَنِ السُّجُودِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ ، وَفِي هَذَا مَا أَبَانَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ وَالْجِنَّ خَيْرٌ وَأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ شَتَّى ، وَإِنَّمَا دَخَلَ إِبْلِيسُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي مُسَاكَنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَمُجَاوَرَتِهِمْ بِحُسْنِ عِبَادَتِهِ ، وَشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ فَجَرَى فِي عِدَادِهِمْ ، فَلَمَّا أُمِرَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ دَخَلَ فِي الْجُمْلَةِ الْمَلَكُ الْأَصْلِيُّ ، وَالْمُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرَ أَنَّ مُفَارَقَتَهُ الْمَلَائِكَةَ فِي أَصْلِ جَبَلَتِهِ حَمَلَتْهُ عَلَى مُفَارَقَتِهِمْ فِي الطَّاعَةِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) .
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُمُ الْأَصْنَامَ آلِهَةً وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَرُّبُهُمْ بِعِبَادَتِهَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَلِكَ حِينَ كَانَ شَيَاطِينُ الْجِنِّ يَدْخُلُونَ أَجْوَافَهَا وَيُكَلِّمُونَهُمْ مِنْهَا ، فَكَانُوا يَنْسِبُونَ ذَلِكَ الْكَلَامَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=158وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْأَصْنَامَ لِمَكَانِ تَكْلِيمِ الْجِنَّةِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَجْوَافِهَا آلِهَةً ، وَادَّعَوْا أَنَّهَا بَنَاتُ اللَّهِ فَأَثْبَتُوا بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا جَهْلًا مِنْهُمْ " .