البحث الرابع ، في
nindex.php?page=treesubj&link=21054مقتضى صيغة الأمر وفيه اثنتا عشرة مسألة .
المسألة الأولى
فيماذا
nindex.php?page=treesubj&link=21052صيغة الأمر حقيقة فيه إذا وردت مطلقة عرية عن القرائن ، وقد اتفق الأصوليون على إطلاقها بإزاء خمسة عشر اعتبارا
[1] .
الوجوب ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أقم الصلاة ) .
والندب ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فكاتبوهم ) .
والإرشاد ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فاستشهدوا ) ، وهو قريب من الندب لاشتراكهما في طلب تحصيل ، غير أن الندب لمصلحة أخروية ، والإرشاد لمصلحة دنيوية .
والإباحة كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2فاصطادوا ) .
والتأديب ، وهو داخل في الندب كقوله : " كل مما يليك "
[ ص: 143 ] والامتنان ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142كلوا مما رزقكم الله ) والإكرام ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادخلوها بسلام ) والتهديد ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعملوا ما شئتم ) والإنذار ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تمتعوا ) وهو في معنى التهديد .
والتسخير ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65كونوا قردة خاسئين ) والتعجيز ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كونوا حجارة ) والإهانة ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذق إنك أنت العزيز ) والتسوية ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16فاصبروا أو لا تصبروا ) والدعاء ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=151اغفر لي ) والتمني ، كقول الشاعر : (
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
)
[2] وكمال القدرة ، كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=117كن فيكون ) .
وقد اتفقوا على أنها مجاز فيما سوى الطلب ، والتهديد ، والإباحة ، غير أنهم اختلفوا ، فمنهم من قال : إنها مشتركة كاشتراك لفظ القرء بين الطلب للفعل ، وبين التهديد المستدعي لترك الفعل ، وبين الإباحة المخيرة بين الفعل والترك .
ومنهم من قال : إنها حقيقة في الإباحة مجاز فيما سواها ، ومنهم من قال : إنها حقيقة في الطلب ، ومجاز فيما سواه ، وهذا هو الأصح .
وذلك لأنا إذا سمعنا أن أحدا قال لغيره ( افعل كذا ) وتجرد ذلك عن جميع القرائن ، وفرضناه كذلك ، فإنه يسبق إلى الإفهام منه طلب الفعل واقتضاؤه من غير توقف على أمر خارج دون التهديد المستدعي لترك الفعل والإباحة المخيرة بين الفعل والترك .
ولو كان مشتركا
[3] أو ظاهرا في الإباحة ، لما كان كذلك .
وإذا كان الطلب هو السابق إلى الفهم عند عدم القرائن مطلقا ، دل ذلك على كون صيغة ( افعل ) ظاهرة فيه .
فإن قيل : يحتمل أن يكون ذلك بناء على عرف طارئ على الوضع اللغوي ، كما في لفظ الغائط والدابة ، وإن سلم دلالة ما ذكرتموه على الظهور في الطلب .
[ ص: 144 ] غير أنه معارض بما يدل على ظهوره في الإباحة ، لكونها أقل الدرجات فكانت مستيقنة .
قلنا : جواب الأول أن الأصل عدم العرف الطارئ وبقاء الوضع الأصلي بحاله .
وجواب الثاني : لا نسلم أن الإباحة متيقنة ، إذ هي مقابلة للطلب والتهديد ، لكونها غير مستدعية للفعل ولا للترك ، والطلب مستدع للفعل ، والتهديد مستدع لترك الفعل ، فلا تيقن لواحد منهما
[4] .
الْبَحْثُ الرَّابِعُ ، فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21054مُقْتَضَى صِيغَةِ الْأَمْرِ وَفِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً .
الْمَسْأَلَةُ الْأُوْلَى
فِيمَاذَا
nindex.php?page=treesubj&link=21052صِيغَةُ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِيهِ إِذَا وَرَدَتْ مُطْلَقَةً عُرْيَةً عَنِ الْقَرَائِنِ ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى إِطْلَاقِهَا بِإِزَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ اعْتِبَارًا
[1] .
الْوُجُوبُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=78أَقِمِ الصَّلَاةَ ) .
وَالنَّدْبُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=33فَكَاتِبُوهُمْ ) .
وَالْإِرْشَادُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَاسْتَشْهِدُوا ) ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ النَّدْبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي طَلَبِ تَحْصِيلٍ ، غَيْرَ أَنَّ النَّدْبَ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَوِيَّةٍ ، وَالْإِرْشَادَ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ .
وَالْإِبَاحَةُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2فَاصْطَادُوا ) .
وَالتَّأْدِيبُ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّدْبِ كَقَوْلِهِ : " كُلْ مِمَّا يَلِيكَ "
[ ص: 143 ] وَالِامْتِنَانُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ) وَالْإِكْرَامُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=46ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ) وَالتَّهْدِيدُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ) وَالْإِنْذَارُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تَمَتَّعُوا ) وَهُوَ فِي مَعْنَى التَّهْدِيدِ .
وَالتَّسْخِيرُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=65كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) وَالتَّعْجِيزُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كُونُوا حِجَارَةً ) وَالْإِهَانَةُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=49ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ ) وَالتَّسْوِيَةُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا ) وَالدُّعَاءُ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=151اغْفِرْ لِي ) وَالتَّمَنِّي ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ : (
أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي
)
[2] وَكَمَالُ الْقُدْرَةِ ، كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=117كُنْ فَيَكُونُ ) .
وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ فِيمَا سِوَى الطَّلَبِ ، وَالتَّهْدِيدِ ، وَالْإِبَاحَةِ ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ كَاشْتِرَاكِ لَفْظِ الْقُرْءِ بَيْنَ الطَّلَبِ لِلْفِعْلِ ، وَبَيْنَ التَّهْدِيدِ الْمُسْتَدْعِي لِتَرْكِ الْفِعْلِ ، وَبَيْنَ الْإِبَاحَةِ الْمُخَيَّرَةِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ مَجَازٌ فِيمَا سِوَاهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ ، وَمَجَازٌ فِيمَا سِوَاهُ ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ .
وَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا سَمِعْنَا أَنَّ أَحَدًا قَالَ لِغَيْرِهِ ( افْعَلْ كَذَا ) وَتَجَرَّدَ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْقَرَائِنِ ، وَفَرَضْنَاهُ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَسْبِقُ إِلَى الْإِفْهَامِ مِنْهُ طَلَبُ الْفِعْلِ وَاقْتِضَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَمْرٍ خَارِجٍ دُونَ التَّهْدِيدِ الْمُسْتَدْعِي لِتَرْكِ الْفِعْلِ وَالْإِبَاحَةِ الْمُخَيَّرَةِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ .
وَلَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا
[3] أَوْ ظَاهِرًا فِي الْإِبَاحَةِ ، لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ الطَّلَبُ هُوَ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ مُطْلَقًا ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى كَوْنِ صِيغَةِ ( افْعَلْ ) ظَاهِرَةً فِيهِ .
فَإِنْ قِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عُرْفٍ طَارِئٍ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ ، كَمَا فِي لَفْظِ الْغَائِطِ وَالدَّابَّةِ ، وَإِنْ سَلِمَ دَلَالَةُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى الظُّهُورِ فِي الطَّلَبِ .
[ ص: 144 ] غَيْرَ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ظُهُورِهِ فِي الْإِبَاحَةِ ، لِكَوْنِهَا أَقَلَّ الدَّرَجَاتِ فَكَانَتْ مُسْتَيْقَنَةً .
قُلْنَا : جَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعُرْفِ الطَّارِئِ وَبَقَاءُ الْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ بِحَالِهِ .
وَجَوَابُ الثَّانِي : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُتَيَقَّنَةٌ ، إِذْ هِيَ مُقَابِلَةٌ لِلطَّلَبِ وَالتَّهْدِيدِ ، لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْتَدْعِيَةٍ لِلْفِعْلِ وَلَا لِلتَّرْكِ ، وَالطَّلَبُ مُسْتَدْعٍ لِلْفِعْلِ ، وَالتَّهْدِيدُ مُسْتَدْعٍ لِتَرْكِ الْفِعْلِ ، فَلَا تَيَقُّنَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
[4] .