الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلب الطلاق للضرر بين المصلحة وعدمها

السؤال

أنا امرأة متزوجة منذ عشرة أعوام، تزوجت من ابن عمي، ولم أكن أعرف عنه الكثير. وبعد مدة من الزواج، اكتشفتُ سوء طباعه وخلقه، فهو بخيل وأناني، وفوق ذلك لا يضع لي قدرًا ولا مكانة. فإذا ظلمني أهله، لا يقف إلى جانبي، بل يشتكي مني إليهم، وهم دائمًا يقفون في صفّه. حتى كرهته، وكرهتُهم جميعًا.
حاولت أن أتفهمه، وأتفهم طباعه، وأتعامل معه بحسن نية وطيب معشر، لكنني لم أوفَّق، وكنت دومًا أشعر بالفشل.
الآن، لديّ منه طفلتان، ومن أجلهما فقط أتحمّل وأتجاهل كثيرًا مما يصدر عنه. ولا أرغب في الانفصال حتى لا تُحرمان من جو العائلة، رغم أنني أتمنى ذلك في قرارة نفسي. ثم بدأت أتمرد عليه، وأسترد شيئًا من حقوقي الضائعة، وكرامتي المهدرة.
فعلى سبيل المثال: عندما أكون متعبة، أو منشغلة بأمر من أمور البيت التي يتحتم عليّ القيام بها، لا أستجيب لرغبته في الجماع. وهو دومًا يردد أنه غاضب مني، وأنا أخشى أن يكون ربي غاضبًا عليّ.
وقد ختمتُ القرآن للمرة الثالثة -ولله الحمد والمنّة- وأحبّ الصيام، لكنه لا يأذن لي به، ويقول لي: إن أعمالي هذه مردودة عليّ، ولن تُقبل؛ لأنني مقصّرة في حقه، ولأنه غاضب عليّ.
وهذا الرجل لا يُعينني على أمر آخرتي في شيء، بل حتى صلاته لا يهتم بوقتها البتّة، وكل ثقافته الدينية مستمدة من وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
أنا أراه كومةً من السيئات أحملها على ظهري، وكل دقيقة أفكر فيها في الآخرة، يتأكد لي أنه يجب عليّ الانفصال عنه. فأنا لا يهمّني من أمر الدنيا شيء، ما يهمّني هو: هل غضبه هذا يوجب غضب ربي عليّ؟ والعياذ بالله.
ثم، هل إذا عاندته أو تمردتُ عليه، وأغضبته من باب الدفاع عن نفسي، والانتصار للحق، أكون آثمة؟ أليس ربي يقول: ﴿ولهن مثل الذي عليهن﴾؟
هو أيضًا يقصّر في حقي كثيرًا، من جميع النواحي، وأنا أتغاضى وأصمت. فهل يُعد أخذُ الحق من الزوج نشوزًا؟ وهل يُعد ذلك ذنبًا يجب التوبة منه؟ أرجوكم، أنصفوني، فأنا لا أستطيع نشر مشكلتي بين من حولي، خوفًا من أن تكبر وتتعقّد أكثر. فهل أُقدِم على الطلاق، وأُنقذ نفسي من الهلاك بجانبه؟ أم أستمر معه، وآخذ حقي أحيانًا، وأتنازل أحيانًا أخرى، وأدعو لنفسي وله بالمغفرة؟ وهل أنا على ضلال؟ أم أنا على حق؟
أفيدوني، وأنصفوني، جزاكم الله عني كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل المولى تبارك وتعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، وييسر أمرك، ويشرح صدرك، إن ربنا سميع مجيب، فتضرعي إليه وارفعي إليه حاجتك، فقد قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل: 62}.

وقد أمر الله بحسن عشرة الزوجة فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19}.

قال الجصاص في أحكام القرآن: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر، والنفقة، والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة: 229}. انتهى.

وقد أحسنت بصبرك عليه ومراعاة وجود الأطفال، وحرصك على عدم حرمانهم من العيش في بيئة تعينهم على حسن النشأة، وهذا يدل على حكمة وكمال عقل، فجزاك الله خيرًا، ونرجو أن يكون عاقبة هذا الصبر خيرًا. وانظري الفتوى: 18103، ففيها بيان فضل الصبر.

ثم إن كنت متضررة حقًا من الاستمرار معه، فيجوز لك طلب الطلاق منه، فالضرر البيِّن يبيح للمرأة ذلك؛ كما نص عليه أهل العلم، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 37112.

ولكن الطلاق قد لا يكون الأصلح، فعواقبه سيئة -في الغالب- وخاصة على الأطفال، ولذلك نؤكد على الصبر والدعاء، هذا بالإضافة إلى بذل النصح له بالحكمة والموعظة الحسنة، وتذكيره بما هو فيه من التفريط في حق الله تعالى، والتفريط في حقك كزوجة، ويمكنك أن تستعيني في نصحه بأهل الفضل والخير والعقلاء من أهلك وأهله، ومن ترجين أن يقبل نصحهم ويؤثر عليه، قال الله -عزَّ وجلَّ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء: 35}. ولا نظنك تعدمين وجود من يعينك في هذا السبيل.

ويجب عليك طاعة زوجك بالمعروف، والقيام بما يقتضيه النكاح وتوابعه، وخاصة فيما يتعلق بإجابته إذا دعاك للفراش، وعدم الامتناع عن إجابته لغير عذر شرعي، وراجعي الفتوى: 50343، والفتوى: 158051.

ومجرد التعب والانشغال بأعمال البيت، لا يسوغ لك الامتناع عن إجابته، ولكن إذا منعك حقًا لك عليه -كالنفقة مثلاً- فقد أجاز بعض العلماء للمرأة أن تمنعه حقه، فلا تجيبه للفراش، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 183865.

ولكن إذا لم تكن معاملة الزوجة لزوجها على هذا النحو، ينصلح بها حاله، ويزول بها الإشكال، فمن الحكمة أن لا تفعل؛ لأن هذا قد يجعل المشكلة أكثر تعقيدًا، ولا يعين على حلها، ويزداد الزوج بها عنادًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني