الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أعيش حياتي طبيعية دون خوف من الموت.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، أبلغ من العمر 21 سنةً، جامعية، مشكلتي أنه كانت تأتيني وساوس عن الموت، وكان لدي خوف شديد من أن أفقد أحد أفراد أسرتي، ثم تحولت هذه الوساوس إلى شعور حقيقي بالموت، فأنا أشعر بأنني أموت، وأن الروح تنتزع من جسدي في أوقات مختلفة، فمثلاً عند اجتماع أفراد أسرتي، أو يحدث عندي أي حدث تجدني متأقلمةً معهم، وفجأةً تأتيني هذه الأعراض، فأتوارى عن أنظارهم، ثم تأقلمت، وأصبحت أسيطر على نفسي، وأخبر نفسي أنها وساوس، إلى أن تزول.

ولكن بعدها أصبح لدي ملل من الحياة، لا شيء يمنحني حب الحياة، أحاول جاهدةً أن أعيد لنفسي حب الحياة بطرق مختلفة، منها: التسوق، وشراء كل ما أريد، ولكن هذا لا يمنحني حب الحياة، أقرأ كتبًا ومجلات، ولكن أشعر بالملل نفسه، ثم تطورت حالتي، وأصبحت لا أستطيع النوم، وإذا نمت أقضي نصف ساعة، ثم أستيقظ ساعةً، وأقول في نفسي: نعم هذا هو يومي، سأموت اليوم، وأفكر في القبر، وأنني سأكون وحيدةً، فأتألم لذلك.

تدهورت نفسيًا ودراسيًا؛ مما أدى إلى رسوبي في 4 مواد دفعةً واحدةً، رغم أنني كنت من المتفوقات، وضعف جسمي، وأصبحت هزيلةً أتعب لأي شيء، وفقدت شهيتي للأكل، وأصبحت أرى الناس، وأقول: ستموتون جميعكم، وأصبحت نظرتي سوداوية لكل شيء.

أنا في حاجة لشيء يساعدني؛ حتى أعيش حياتي كما ينبغي!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لقد أحسنت الوصف، وكما تفضلت وذكرت فإن لديك وساوس ومخاوف حول الموت، ويظهر أن الأمر قد بدأ بما نسميه بنوبة الفزع، أو الهرع، أو الاضطراب الفزعي؛ حيث إنه في هذه الحالات يحس الإنسان بقلق، وربما يشعر أيضًا بتسارع في ضربات القلب، ومن ثم يأتي هذا الشعور بأن الموت سوف يحضر، وأن المنية قد دنت، وهذا الشعور قد يستغرق دقائق، أو حتى ساعات، وبعدها يختفي، ثم بعد ذلك قد يعاود الإنسان في فترات مختلفة، وهنالك روابط تثيره، فمثلاً في حالتك حينما تكونين مندمجةً ومتفاعلةً مع الآخرين، يظهر بشدة مما يضطرك إلى المغادرة، وبذلك تبدأ هذه الحالة، وأنا أعرف أنها مؤلمةً بصورة مزعجة.

وألاحظ أيضًا أن نوبات الهرع هذه والتي تحولت إلى وساوس قد أدت إلى ما يمكن أن نسميه بالاكتئاب الثانوي؛ فأنت فقدت طعم وحب الحياة لدرجة كبيرة، وهذا الشعور لا أعتقد أنه ناتج من اكتئاب نفسي أساسي، إنما هو نوع من عسر المزاج الثانوي.

بعد أن قمنا بتوضيح الحالة وطبيعتها، فإن طريقة العلاج تتمثل في:

أولاً: أن تعرفي أن هذه الحالة ليست خطيرةً، فأمراض القلق والوساوس أيًا كان نوعها، ومهما سببت من إزعاج فهي -إن شاء الله- قابلة للعلاج والشفاء، أو على الأقل سوف تتوقف حدتها، ويستطيع الإنسان أن يتواءم مع هذه الأعراض.

ثانيًا: من أهم وسائل العلاج هو أن تطردي هذه الأفكار، وأن تتجاهليها، بل تحقريها التحقير التام، وتستبدليها بأفكار مضادة لها، هذه أسس علاجية مهمة وفعالة جدًا، ولا شك أنها تتطلب المثابرة، والتواصل، والاستمرارية، فأرجو أن تكوني حريصةً على هذا.

ثالثًا: أنت لديك اجتهادات طيبة في الاستمتاع بالحياة، وحبها، وذلك عن طريق القراءة، وكذلك التسوق، وأنا أقول لك: يا حبذا لو أضفت لذلك أن تمارسي نشاطات رياضية تناسب الفتاة المسلمة، وإذا انضممت أيضًا إلى أحد مراكز التحفيظ فهو حسن، وهي -الحمد لله- كثيرة في بلدك، وهذه المراكز بجانب ما تجنيه -إن شاء الله- من ثواب وعلم لحفظ القرآن الكريم؛ سوف تكون وسيلةً طيبةً لك لبناء شبكة اجتماعية فاعلة ورصينة من الأخوات الفاضلات، وهنا -إن شاء الله- سوف تجدين المساندة، وحتى المناقشة حول هذا الأمر؛ لأن الإنسان حين يناقش ويتحدث عن وساوسه ومخاوفه، فهذا في حد ذاته له شأن علاجي كبير؛ لأن الإنسان حينما يفرغ نفسيًا لا شك أن ذلك سوف يفيده كثيرًا.

رابعًا: أرجو أن تكون أهدافك في الحياة واضحةً وجليةً، أنت في بدايات الشباب، وهذا هو عمر الطاقات الإيجابية، والدراسة وإن أخفقت سابقًا فتوجد دائمًا فرصة ثانية -بإذن الله-، فأرجو العمل على الاستفادة، واستغلال هذه الفرصة الثانية بصورة طيبة، فلا تيأسي أبدًا، فقط اجتهدي، وأديري وقتك بصورة جيدة ومرتبة، ومن خلال ذلك -إن شاء الله- تستطيعين الدراسة والنشاطات الأخرى.

خامسًا: سوف أقوم بوصف علاج دوائي لك، وأعتقد أنك في حاجة لتناول الدواء، وذلك من أجل القضاء على هذه المخاوف، والوساوس، وتحسين المزاج، وتحسين النوم كذلك، وبناء دافعية جديدة بالنسبة لك.

من الأدوية التي تشير الدراسات الآن أنها جيدة، ومفيدة، وفاعلة في حالتك: دواء يعرف تجاريًا باسم (فافرين Faverin)، ويعرف علميًا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة خمسين مليجرام ليلاً، تناوليها بعد الأكل، استمري على هذه الجرعة لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى خمسين مليجرام ليلاً، واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر.

أعتقد أن هذا سيكون كافيًا جدًا بالنسبة لحالتك؛ لأننا نعتبرها من الحالات المتوسطة إلى البسيطة، وجرعة مائة مليجرام من الفافرين كجرعة علاجية -إن شاء الله- ستكون مناسبةً، علمًا بأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى ثلاثمائة مليجرام في اليوم، ولكن لا أرى أنك في حاجة لذلك.

المهم هو الانتظام على الدواء، وتناول الجرعة في وقتها، وبالكيفية التي وصفناها، ولا بد أن تدعمي الدواء بما وصفته لك سابقًا من إرشادات سلوكية، وأود أن أؤكد لك أن الدواء الذي وصفناه لك دواء سليم، وغير إدماني، وغير تعودي، ولا يؤثر مطلقًا على الهرمونات النسوية.

لا تفكري سلبًا حول الحياة؛ فالحياة طيبة وجميلة، وعليك أن تعيشيها بقوة، وأرجو أن تعيشي المستقبل بأمل ورجاء، وختامًا نشكر لك تواصلك معنا في إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً