الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعجبت بها، لكنها لا تفكر في الزواج حالياً، فهل أبحث عن غيرها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا معجب بفتاة معي في العمل، اعترفتُ لها بأني أريد أن أتقدم لها عن طريق أهلها، فقالت لي: إنها لا تفكر بالزواج حاليًا، وأنا صليت الاستخارة كثيرًا، ولم يتضح لي شيء.

ما الذي ينبغي عليَّ فعله حتى أرتاح، مع العلم أنني يمكن أن أرتاح سواء تركتها أو أحاول من أجلها؟ المهم هو أن أعرف لأرتاح؛ بمعنى: أن يتضح لي الجواب بنعم أو لا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ معاذ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً: أيها الأخ الكريم، نسأل الله -جلّ وعلا- أن ييسِّر لك زواجًا تُحصّن به نفسك، وتبني به أسرة تعبد الله تعالى، وتكون عملًا صالحًا يبقى لك ذخرًا.

والظاهر من استشارتك أنك تسأل عن أمر الاستخارة؛ حيث أوضحت أنه لم يظهر معك شيء بعد أن صليت عدة مرات، ولعل كلامك هذا مبني على ما هو شائع عند كثير من الناس، من أن مَن استخار لا بد أن يظهر له شيء حتى يبني عليه، وإن لم يظهر شيء فعليه أن ينتظره وأن يكرر الاستخارة؛ وهذا من المفاهيم الخاطئة التي لا تناسب دلالة حديث الاستخارة: "اللهم إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ -ويسميه- خَيْرٌ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذا الأَمْرَ شَرٌّ لي في دِيني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ"، فالذي يظهر من الحديث والذي ذكره العلماء: أن تيسير الأمر من الله -عز وجل- هو علامة الخيرية، وهو الدافع للمُضيِّ في هذا الاختيار، ومن الطرف الآخر فإن وجود العوائق وعدم تيسُّر الأمر؛ هو دليل صرف الله تعالى عبده عن هذا الاختيار.

ومما ذكرته في سؤالك أن هذه التي رغبت في التقدم لها لا تفكر في الزواج في الوقت الراهن، فأنت بالخيار إما أن تكتفي بهذا الرفض منها لفكرة الزواج في الوقت الراهن، الذي هو علامة على عدم تيسُّر الأمر، أو تسعى لتحريك من يحاول إقناعها بأمر الزواج، ثم إقناعها بالموافقة عليك، فإن لم يكن هذا الأمر متيسرًا، فإن الخير لك في البحث عن غيرها، وصرف النظر عنها، وقطع تعلق القلب بها، والبعد عن كل ما يعيد إليك التفكير في هذا الخيار.

وإن أذنت لنا في مزيد من المشورة؛ فإن الفتاة التي لا تفكر في الزواج، مع وصولها إلى سن متقدمة، هي في غالب الأحوال لا ترى قيمة الزواج بالصورة الصحيحة، وهي بهذه الصفة ليست أهلًا لأن تفكر في كونها زوجة مناسبة، وأُمًّا لأعظم مشروع لك، وهو أبناؤك القادمون -بإذن الله-، وتغيير فهمها هذا -الذي بُني من خلال ثقافة تراكمت- هو أمر يصعب، وقد لا يؤتي ثماره بصورة كاملة.

وفرق كبير بين أن يُعجب الإنسان بفتاة لبعض صفات الجذب فيها، وبين أن يفكر في اتخاذها لتكون رفيقة له في درب الحياة المليء بالكثير من المسؤوليات، والحقوق والواجبات والتحديات، وإذا كانت صفات الجذب هذه ناشئة عن مخالفتها لضوابط الشريعة في أمر الزينة، والتواصل مع الجنس الآخر؛ فإن العاقل الحكيم يكون أكثر بعدًا عن أن يفكِّر في كونها ركنًا لأسرته، وحافظة لاسمه، ومسؤولة عن بيته.

وختامًا: فإن وصيتنا لك ما دامت فكرة الزواج قد بدأت بسبب هذا الأمر، فأعد ضبط معايير البحث لديك، ولا تتوقف حتى تصل عبر البحث لتلك الفتاة، التي تكون عونًا لك على سلوك طريق الآخرة، ممن يتوفر فيها ما ورد في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- حين سئل: (أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ) [رواه النسائي3131، وصححه الألباني] والسرور عند النظر إليها أوسع من مجرد الشكل الخارجي، بل يُسر بدينها، وتعاملها، وأخلاقها، واهتمامها بنفسها وأسرتها، وقراءتك في هذا الموضوع من خلال المواقع الموثوقة، مما يُعين على إعادة ضبط بوصلتك، بما يحقق لك الخير والسعادة والاستقرار.

كتب الله لك التوفيق، ويسر أمرك، وأنار بصيرتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً