الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشكو من أحلام اليقظة وفراغ عاطفي وبخل على نفسي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دكتوري العزيز، لا أريد أن أطيل عليكم.

أنا شابٌ في الرابعة والعشرين من عمري، جامعي، وأعزب، وأُعاني كثيرًا من الوحدة، إذ أني أعمل في منطقة بعيدة عن أسرتي، دخلي المادي ممتاز -ولله الحمد-، ولكن مشكلات أسرتي غير طبيعية؛ فوالدي ووالدتي شبه منفصلين، ومع ذلك يعيشان في المنزل نفسه مع إخوتي، ومن شدة حرصي عليهم، أُحاول جاهدًا تلبية جميع طلباتهم، رغم أنها شاقة أحيانًا، ووالدي -جزاه الله خيرًا- لا يُقصّر.

مشكلتي أنني أُعاني من فراغٍ عاطفيٍّ شديد؛ أحيانًا أشعر برغبة في احتضان أيّ شخصٍ أمامي، أنا إنسان عمليّ جدًا، وأُحبّ العمل، لكن هذا الفراغ العاطفي بدأ يؤثّر عليّ، إلى جانب مشكلات أهلي وإخواني، حتى إنني في بعض الأوقات أشعر بأنني على وشك الانفجار من شدة الضغوط النفسية، تعبت كثيرًا من هذا الوضع.

أنا -والحمد لله- أُصلّي وأسأل الله أن يُثبتني، ولكنّي لم أعد أستطيع التحمّل أكثر، كنتُ قد عانيت سابقًا من الاكتئاب، وتناولت دواء سبرالكس، ولكنّي لم أستمر عليه لأكثر من شهر، ثم تركته دون الرجوع إلى الطبيب، وكان ذلك قبل سنتين تقريبًا.

أما الآن، فحالتي غير طبيعية، أُعاني من اكتئاب وضغوط نفسية واجتماعية لا تُحتمل، كما أدمنتُ أحلام اليقظة، وأصبحت أبني عليها كل طموحاتي؛ لأنها –بصراحة– تُساعدني أحيانًا بشكلٍ إيجابي، لكنّي أُريد أن أستقر. أرجوك، ما هو الحل لمشكلاتي؟

مشكلتي الثانية: أنني بخيل جدًا على نفسي، ولا أُهنيها أبدًا، والعكس تمامًا مع إخواني وأخواتي؛ أُعطيهم ما يريدون، وأشعر بعد ذلك بالفرح لأنني ساعدتهم وأسعدتهم، لكنّي مُهمِلٌ في حقّ نفسي كثيرًا. أنا الآن أُعاني من الاكتئاب، وأصبحت أتعلّق بالناس من حولي بسبب الفراغ العاطفي الذي أشعر به، وأُبحر في أحلام اليقظة بشكل غير طبيعي؛ لأنها تمنحني إحساسًا بالرضا عن نفسي.

أُريد أن أعيش لنفسي ولإخوتي معًا، لا لهم فقط. أنا أحبهم أكثر من نفسي، هذا صحيح، ولكنّي أُريد أن أُحقق التوازن بيني وبينهم.

ودمتم بخير، وأستودعكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فيصل حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

أخِي الكريم: أنت ذكرت أن لديك بعض الصعوبات، وهو أنك تكثر لديك أحلام اليقظة، وأن مشاعر الرضا حول نفسك ليست على ما يُرام، وأنك بخيل على نفسك، وتُنفق بكثرة وإسراف على إخوتك، وأيضًا أنك تعيش ما أسميته بالفراغ العاطفي.

أخي الكريم: إنفاقك على إخوتك لا نستطيع أن نقول: إنه أمر سيئ، لكن قطعًا يجب أن يكون له ضوابطه، بأن تقوم بعمل تدبير أفضل لدخلك المالي، ما هو الذي يجب أن تُنفقه على نفسك؟ ما هو الذي يجب أن تُنفقه على إخوتك؟ كم من المال ينبغي أن تتصدق به على الفقراء؟ وبالمناسبة؛ الصدقة تُعلِّم الإنسان الانضباط المالي، بمعنى أنه لن يصرف إلَّا فيما يستحق الصرف، هذا أمرٌ مجرب ومعروف. وكم من المال يجب أن توفِّره؟ لا بد أن يكون لك حُسن إدارة المال، وهذا أمرٌ بيدك تمامًا؛ إذًا هذه القضية محسومة على هذه الشاكلة.

الأمر الآخر: أنت رجل تحب العمل، وهذا أمرٌ جيد جدًّا، فإذًا: اسع لتطوير نفسك ومهاراتك من خلال عملك، وأنا أنصحك بأن تُفرِّغ طاقاتك، هذه الطاقات: حب العمل، وحتى طاقات أحلام اليقظة، هذه تفرَّغ بالحرص على دراسةٍ عُليا تنضمَّ لها حتى وإن كان ذلك بالانتساب؛ لأن التعليم يستهلك هذا النوع من الطاقات، وفي نهاية الأمر سوف تجد أنك اكتسبت كثيرًا، اكتسبت علمًا، قلَّت أحلام اليقظة، الفراغ الوجداني الذي تحدثت عنه أصبح موظَّفًا بصورة أفضل، وإن كنت تعني بالفراغ العاطفي عدم وجود الزوجة فيجب أن تتزوج، ليس هناك ما يمنعك -أيها الفاضل الكريم- وهذا سوف يُساعدك أيضًا في ترتيب شأنك المالي.

طموحاتك -إن شاء الله تعالى- يجب أن تكون واضحة، وأنا أرشدتُّك للخطوات العملية التي يجب أن تتخذها من أجل أن تُدير حياتك بصورة أفضل، ولا تأس على أي شيءٍ قمت بفعله فيما مضى، انظر للمستقبل والحاضر بقوةٍ أكبر وترتيب أكبر، والتواصل مع الناس مهم جدًّا، أن تكون نافعًا للناس، هذا أمر ضروري، أن تُساعد الضعيف (فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، (خير الناس أنفعهم للناس)، أن تشارك في جمعية خيرية، من خلالها تكتشف ذاتك بصورة أفضل، أن تحرص على الصلاة مع الجماعة... هذا كله -أيها الفاضل الكريم- يعطيك فرصة كبيرة جدًّا على أن تتخلص من القلق والتوترات وأحلام اليقظة التي تحدثت عنها.

الرياضة يجب أن تكون جزءًا أساسيًا في حياتك؛ لأن الرياضة تُفجِّر الطاقات الإيجابية، وتُخلِّص الإنسان من القلق والتوتر والطاقات النفسية السلبية.

بالنسبة للعلاج الدوائي: كانت لك تجربة سابقة مع السبرالكس، والآن أعتقد أنك يمكن أن تُجرِّب عقارا يعرف تجاريًا باسم (زولفت Zoloft) أو يعرف تجاريًا أيضًا باسم (لسترال Lustral) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين Sertraline) هو عقار راق جدًّا، ويمكنك أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا (نصف حبة) ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تجعلها حبة واحدة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً