الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي تحب الانعزال والوحدة، كيف نساعدها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يا دكتور، أنا أتناول دواء سيروكسات 20 ملغ منذ خمس سنوات، وذلك لعلاج الرهاب الاجتماعي، وقد تحسنت حالتي –والحمد لله– بشكل كبير.

الآن أرغب في التوقف عن تناول الدواء، وأود أن أعرف ما هي الطريقة المناسبة لذلك؟ علماً بأني منذ عام تقريبًا أتناول نصف حبة يوميًا فقط (أي 10 ملغ).

أرجو أيضًا تزويدي بنصائح هامة تساعدني في المحافظة على استقراري النفسي، وعدم عودة الأعراض مرة أخرى، جزاكم الله خيرًا.

أما عن والدتي: فهي تعاني من حالة نفسية تؤلمني كثيرًا، فهي تحب العزلة، وتفضل الجلوس وحدها معظم الوقت، ولا تحب استقبال الضيوف، وتُكثر من الشك والتفكير المفرط، وسريعة الانفعال، ولا تُبدي اهتمامًا بأمور البيت، وتُعاني من الخوف الزائد، ولها تاريخ من الخلافات القديمة مع والدي.

أحيانًا يحدث بينهما خصام، وتلتزم الصمت في التجمعات العائلية، وتعبّر عن شعورها بإحساس غريب وغير مريح، يصعب عليها وصفه بدقة، وهي بعمر 47 عامًا، وتعاني أيضًا من ارتفاع في ضغط الدم ومرض السكري.

أرجو منكم التكرم بالرد السريع، فأنا لا أحتمل رؤيتها على هذه الحالة، وأسأل الله أن يجعل مساعدتكم لها في ميزان حسناتكم.

وشكرًا جزيلًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

أنا سعيد أن أسمع أنك قد تحسنت، وأنك الآن تود التوقف عن العلاج، وأنت تتناول عشرة مليجرام فقط من الزيروكسات لمدة عام، وهذه تعتبر جرعة بسيطة جدّاً، حتى يمكن أن نقول: إنها أقل من الجرعة الوقائية.

إذن التوقف عن الدواء لا يكون صعباً أبداً، فابدأ في تخفيض الجرعة، بأن تكون نصف حبة مرة واحدة كل يومين لمدة شهر، ثم نصف حبة مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء، وبهذه الطريقة إن شاء الله لن تحس بأي أعراض أو آثار انسحابية، والنصائح الهامة لكي لا يعود لك المرض هي:

أولاً: أن تتذكر هذا التحسن، هذا التحسن الذي طرأ عليك حين تتذكره، وحين تعرف أن حالتك قابلة للعلاج، وقد تم علاجها بالفعل، هذا -إن شاء الله- يدعم مشاعرك الإيجابية، ويجعلك تعيش -إن شاء الله- في هناء واسترخاء.

ثانياً: ضرورة أن تواصل الآليات السلوكية التي كنت تطبقها، بالرغم من بساطتها إلا أنها مهمة، ومن أهمها بالطبع التواصل الاجتماعي، أن يكون لك حضور دائم في المناسبات، أن تكون لك ثقة في نفسك، أن تصلي دائماً في الصف الأول في صلاة الجماعة، أن تحضر حلقات التلاوة والدروس، يجب أن تحضرها متى ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.

ثالثاً: الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والأعمال التطوعية، فإن له قيمة علاجية كبيرة جدّاً لمقاومة الرهاب الاجتماعي والقلق بجميع أنواعه، وكذلك الاكتئاب والوساوس.

رابعاً: الرياضة يجب أن تكون جزءاً من حياتك؛ لأن الرياضة تمتص كل الطاقات النفسية السلبية، وتبني لدى الإنسان طاقات نفسية إيجابية جديدة، وبالفعل اتضح أن الرياضة تقوي النفوس قبل الأجسام.

هذا هو الذي أود أن أنصحك به، وعليك بالدعاء يا أخي الكريم، فالدعاء هو سلاح المؤمن في جميع الأحوال.

بالنسبة للفاضلة والدتك حفظها الله تعالى؛ فأنا أشكر اهتمامك بها، وهذا إن شاء الله باب من أبواب البر، فنسأل الله تعالى أن يتقبل منك، والوضع المثالي هو أن تعرض والدتك على طبيب نفسي، وتقول لها: (يا والدتي، أنا أراك غير مرتاحة، فربما يكون لديك إجهاد نفسي أو عصبي، فلماذا لا نذهب ونقابل الطبيب النفسي؟ هذا ليس عيباً، والطبيب يستطيع أن يوجهنا ويستطيع أن يساعدك كثيراً).

أما إذا رفضت ذلك، فأنا أرى أن الوالدة وفي مثل هذا العمر، يظهر أن لديها أعراضاً اكتئابية، وبالرغم من وجود الشكوك الكثيرة، إلا أن ذلك ليس دليلاً أبداً على إصابتها بمرض ذهاني، إنما أنا أكثر ميولاً للقول بأنها دخلت في مزاج اكتئابي، وشيء من الشعور بالكدر والملل وعدم الاستمتاع بالحياة، وحتى عدم محبتها للضيوف، هذا دليل قاطع على الإجهاد النفسي الذي تعاني منه، والذي غالباً قد يأتي من الإجهاد، وسرعة الانفعال أيضاً هي من المؤشرات الرئيسة للقلق والاكتئاب النفسي، كما أن انعزالها وعدم فعاليتها الاجتماعية، أعتقد أن هذه كلها أعراض واضحة جدّاً للاكتئاب النفسي.

أيها الفاضل الكريم، إذا كانت والدتك لن تذهب إلى الطبيب بعد محاولاتك، فأعتقد أنه يمكنك أن تعطيها بعض الأدوية المضادة للاكتئاب، وبفضل الله تعالى هذه الأدوية أدوية سليمة وفعالة جدّاً، ولا تتفاعل بصورة سلبية مع أدوية الضغط أو السكر.

إذا كانت الوالدة لا تعاني من مشكلة في النوم؛ فسوف يكون البروزاك - فلوكستين - هو الدواء الأمثل والأفضل، وأعتقد أن جرعة كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، سوف تكون كافية بالنسبة لها،ط.

أما إذا كان لديها مشكلة في النوم، فأعتقد أن الريمارون سيكون هو الدواء الأفضل، والريمارون تبدأ جرعته بنصف حبة (خمسة عشرة مليجراماً) ليلاً، وبعد شهرين ترفع إلى حبة كاملة، تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم تخفض إلى نصف حبة لمدة شهرين، ثم يمكنها التوقف عن تناوله.

إذا كان لديها مخاوف قلقية بجانب هذا الاكتئاب، فسوف يكون السبرالكس هو الدواء الأمثل، والجرعة المطلوبة في حالتها يجب أن تكون في حدود العشرة مليجرام فقط، وعليها أن تبدأ بتناول خمسة مليجرام ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم ترفع إلى عشرة مليجرام ليلاً وتستمر عليها لمدة خمسة أشهر، ثم تخفض إلى خمسة مليجرام لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

إذن هذه كلها خيارات واختيارات علاجية دوائية جيدة جدّاً، ولا شك أن مساندتكم لها والاهتمام بأوضاعها وتشجيعها، سوف يكون له -إن شاء الله- مردود إيجابي كبير جدّاً.

بالنسبة للنقاش الذي يدور بينها وبين الوالد من وقت لآخر؛ عليكم أن تناشدوها بالصبر، وأن تتجنب ذلك بقدر المستطاع، وأيضاً يمكن أن تشيروا للوالد بصورة مباشرة -أو غير مباشرة- أن الوالدة محتاجة لشيء من الرعاية والمعاملة برحمة ولطف.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكر لك تواصلك معنا في (إسلام ويب).

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً